الجمعة، 3 أبريل 2020

التأصيل الإسلامي لنظريات المدرسة الكلاسيكية في الإدارة ..!




قائمة المحتوى
تمهيد
خصائص نظرية الإدارة في الإسلام ومتغيراتها
مفهوم التأصيل الإسلامي للنظريات الإدارية
منهجية الباحث في التأصيل الإسلامي للنظريات الإدارية في المدرسة الكلاسيكية
النظريات الإدارية في المدرسة الكلاسيكية
أولًا- مبادئ الإدارة العلمية عند فريدريك ونسلو تايلور:
- أسباب الفشل وأوجه القصور في الإدارة العلمية عند تايلور
- المقارنة بين مبادئ نظرية الإدارة العلمية لتايلور وبين خصائص الإدارة في الإسلام بشكل عام
ثانيًا- معايير النموذج البيروقراطي عند ماكس فيبر:
- أسباب الفشل وأوجه القصور في النموذج البيروقراطي
- مناقشة معايير النموذج البيروقراطي في الإدارة في ضوء النظرة الإسلامية
ثالثًا- مبادئ نظرية التقسيم الإداري عند هنري فايول في ضوء الكتاب والسنَّة.
استنتاجات البحث
المراجع




·         تمهيد
إن من يقرأ كتب الإدارة سيعثر على مجموعة كبيرة من التعاريف لعدد كبير من الكتَّاب والمختصين الذين تناولوا مفهوم الإدارة في كلا المجالين العام والخاص، إلا أنه يمكن تعريف الإدارة بشكل مستقل وبأبسط صورة بأنه أي نشاط مقصود صادر عن فرد أو جماعة في فترة زمنية معينة لتحقيق هدف محدد.
ومن خلال التعريف السابق يمكن صياغة تعريف إسلامي للإدارة بأنه كل نشاط مشروع مقصود صادر عن فرد أو جماعة في فترة زمنية معينة لتحقيق هدف مباح محدد.
فالإدارة الإسلامية تتميز بممارسة نشاطات مشروعة من أجل الوصول إلى أهداف مباحة، وتتفق مع روح المصلحة العامة وفي الإطار العام الذي رسمه الشارع للعمل الصالح المقترن بالإيمان، يقول I: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: 1-2-3]، كذلك فإن الأهداف المشروعة التي تسعى لتحقيقها الإدارة في الإسلام تندرج تحت مفهوم عبادة الله U امتثالًا، يقول I: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، كما أن هذه الأهداف في أبعادها ومضامينها لابد وأن تتفق مع مقاصد الشريعة الخمسة المرتبة فقهيًا، والتي يمكن الإشارة إليها بمصطلح (دنعنم)، الذي يرمز إلى الحروف الأولى للمقاصد، وهي: الدين، النفس، العقل، النسل، المال. (المزجاجي، 2000)

·       خصائص نظرية الإدارة في الإسلام ومتغيراتها: (أدهم، 2011)

من الخصائص والمتغيرات التي تشتمل عليها الإدارة في المنظور الإسلامي وتميزها عن كل نظريات الإدارة الحديثة، ما يلي:
1-     المتغير الاجتماعي والأخلاقي: يرتبط بالنظرة الاجتماعية للمجتمع الإسلامي، وكذلك بأخلاقيات وقيم المجتمع الإسلامي.
2-     المتغير الاقتصادي المادي: يركز الاهتمام على الإنتاجية والحافز المادي، ويعمل على إشباع حاجات الفرد الفسيولوجية.
3-     المتغير التفاعلي: وذلك من حيث اعتبار الشورى في الإدارة عنصر أساسي.
4-     المتغير الإنساني: من حيث اهتمام الإدارة الإسلامية بالعوامل الإنسانية والروحية، واحترامها للإنسان كإنسان، وإشراكه في العملية الإدارية كل حسب قدراته العقلية وإمكانياته واستعداداته النفسية.
5-     المتغير السلوكي والتنظيمي: فالإدارة في الإسلام تهتم بالنظام وتحديد المسؤوليات، وتحترم السلطة الرسمية والتنظيم الرسمي، وتحترم الهيكل التنظيمي، وتطلب الطاعة بالمعروف.


·       مفهوم التأصيل الإسلامي للنظريات الإدارية:
يقصد بالتأصيل الإسلامي لنظريات الإدارة هو جعل مبادئ تلك النظريات الإدارية منبثقة من أصول الإسلام ومفاهيمه العقدية، المستلهمة من المصادر الشرعية، وغير مخالفة لها، والاستفادة من جهود العلماء فيما لا يتعارض مع تلك الأصول؛ وبالتالي إيجاد نظريات إسلامية للإدارة لا تخرج عن الأصول الثابتة، وتتوافق مع الواقع المعاصر. (أبو داسر، 2019)
ويرى (المزاودة، 2014) أن فكرة التأصيل تقوم أساسًا على أن للمسلمين نظرتهم الخاصة إلى الإنسان وسلوكه وآفاقه وأهدافه ووجوده، وهذه النظرة مخالفة لما تراها النظريات الغربية للإنسان، مع أن هذا لا يمنع من الاستفادة مما توصل إليه العلماء غير المسلمين من نتائج ونظريات وآراء لا تتعارض مع الأسس الإسلامية، فالحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها التقطها.

·         منهجية الباحث في التأصيل الإسلامي للنظريات الإدارية في المدرسة الكلاسيكية:
إن عملية التأصيل للنظريات الإدارية عملية دقيقة وشاملة، وتحتاج إلى منهجية متكاملة وواضحة، وقد اقتصر الباحث في هذه الدراسة على بعض أساليب التأصيل كما يلي:
1-     استخدام أسلوب المقارنة بين مبادئ نظرية الإدارة العلمية لتايلور وبين خصائص الإدارة في الإسلام بشكل عام؛ وذلك بهدف الكشف عن أوجه قصور نظرية الإدارة العلمية، ومثالية نظرية الإدارة في الإسلام.
2-     استخدام أسلوب المناقشة، من حيث تناول معايير النموذج البيروقراطي لفيبر، ومناقشتها في ضوء النظرة الإسلامية، وبيان أوجه الاتفاق والاختلاف.
3-     تناول مبادئ التقسيم الإداري لفايول من خلال العودة إلى المعين الأصيل والثوابت الإسلامية، كتاب الله وسنة رسوله r، لأنهما أساس عملية التأصيل، مع الإيمان التام بأن ما فيهما صالح لكل زمان ومكان، مع سلامة الأخذ والنقل السليم.

·         النظريات الإدارية في المدرسة الكلاسيكية (1880 – 1930): (الصباب، 1993)، (مطاوع وحسن، 1996)
تعتبر المدرسة الكلاسيكية من أقدم المدارس الإدارية التي تناولت نظرية الإدارة العلمية ورائدها تايلور، والتقسيم الإداري ورائدها هنري فايول، والبيروقراطية ورائدها ماكس فيبر.
أولًا- مبادئ الإدارة العلمية عند فريدريك ونسلو تايلور:
1-     تحديد نوع وكمية العمل المطلوب أدائها من كل فرد بناء على دراسة علمية.
2-     الاختيار العلمي للشخص المناسب للوظيفة المسنودة إليه، وإعطاؤه برنامجًا تدريبيًا كافيًا حتى يؤدي أعلى مستوى أدائي في العمل.
3-     اقتناع كل من هيئة الإدارة والعاملين بعدالة التنظيم الإداري واحترام مبادئه.
4-     تقسيم الواجبات والمسؤوليات؛ فتختص الإدارة بمهمة التخطيط، ويترك للعمال مهمة التنفيذ، وهو المسمى بمبدأ التخصص أو مبدأ فصل التخطيط عن التنفيذ.
·        أسباب الفشل وأوجه القصور في الإدارة العلمية عند تايلور:
1-     فصل التخطيط عن التنفيذ يقلل من أهمية اقتراحات العاملين، ويفقدهم أهمية أدائهم أو اشتراكهم في الخطة؛ فيصبح التخطيط بعيدًا عن الواقع.
2-     طريقة إتمام العمل المطلوب بأقل جهد وأسرع وقت تتجاهل الفروق الفردية في المواهب والقدرات والمهارات.
3-     مبدأ الاختيار العلمي للشخص الذي يناسب الوظيفة لا يضمن استقرار العامل في وظيفته.
4-     دراسة الوقت المطلوب لإنجاز كمية العمل المطلوبة لتحديد الأجر العادي الذي يحفز العاملين لم تحدد الأجر العادل.
5-     تدل مبادئها على أنها تميل إلى الديكتاتورية في معاملة الأفراد بسبب عدم إشراك العاملين في وضع التخطيط أو مناقشة القرارات التي تتخذها الإدارة العليا أو الاعتراض عليها؛ لكونها تعرف جيداً مصلحة العمل والعمال، وهذا يدل على المركزية الشديدة في الإدارة.
6-     افتراض أن الأجر وحده هو الدافع الوحيد لتشجيع الفرد على العمل.
7-     اعتبار العلاقة بين المؤسسة والعاملين فيها علاقة تعاقدية يحق بموجبها للإدارة أن تضع شروطاً وقيوداً على العاملين بهدف تحقيق الربح مقابل دفع الأجر على كمية العمل؛ ولذا فقد تجاهلت العلاقة الإنسانية في الإدارة.
·        المقارنة بين مبادئ نظرية الإدارة العلمية لتايلور وبين خصائص الإدارة في الإسلام بشكل عام:
من جانب المنظور الإسلامي للإدارة هناك خصائص تفتقدها نظرية الإدارة العلمية؛ وهو ما سبب تعرضها لانتقادات واسعة أثبتت فشلها وأوجه قصورها على الرغم من إيجابيتها في تقرير مبدأ العلمية في السلوك الإداري، وكونها مهَّدت الطريق لظهور نظريات إدارية أخرى تلافت أوجه القصور، فمن الخصائص التي تتميز بها الإدارة في الإسلام ما يلي: (المزجاجي، 2000)
1-   أنها ذات نشاط يتجسد في تقديم سلعة أو خدمة مباحة.
2-   تسعى إلى تحقيق أهداف مشروعة سواء أكانت عامة أم خاصة تتفق مع مقاصد الشرع الخمسة، وهي: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال.
3-   جميع التصرفات الإدارية الصادرة عن الرؤساء أو المرؤوسين تقوم على قاعدة إيمانية متينة أساسها الإخلاص في العمل والإتقان في الأداء والوفاء بالعهد الذي قطعه الموظفون رؤساء ومرؤوسين على أنفسهم والتنفيذ للأمانة التي في أعناقهم وهي ما تسمى بالرقابة الذاتية، وهي خاصية تميِّز الإدارة الإسلامية عن غيرها من النظريات الإدارية.
4-   كل المعاملات والتصرفات تخضع لقواعد قانونية وتعليمات مصدرها الشريعة الإسلامية بمصادرها الأساسية والاجتهادية، أما قواعد النظريات الإدارية فهي خاضعة للوائح وأنظمة وضعية؛ لذا فهي غير مستقرة ودائمة التغيير والتعديل.
5-   تحرص على تحقيق التوازن بين مطالب الجسد والروح والنفس والفكر دون أن يطغى أحدهم على الآخر، وفي المقابل فإن نظرية الإدارة العلمية تعتمد على الحافز المادي دون النظر إلى الحاجات الإنسانية الأخرى.
6-   تتعامل مع الناس كافة باختلاف مشاربهم بغض النظر عن أي فوارق اجتماعية أو عرقية أو لغوية أو دينية وخاصة في الحقوق العامة تحريًّا للعدل والمساواة.
7-   توظيف كافة الإمكانات المالية والبشرية والفنية المتاحة لها التوظيف الأمثل دون تبذير أو تقتير، وهذه خاصية تتفق فيها الإدارة العلمية إلى حدٍّ بعيد.
8-   أن العلاقات التي تحكم منسوبي المنظمات رؤساء ومرؤوسين بعضهم ببعض تعتمد على الثقة والتفاهم المبني على الأخوَّة الإسلامية، أما في الإدارة العلمية فعلاقاتها رسمية تنظيمية.
9-   أن العلاقات القائمة بين المستويات الرئاسية ومستويات المرؤوسين (العلاقات الرسمية) ليست علاقات تسلُّطية كما هو الحال في الإدارة العلمية، بل ترتكز على مفهوم الرعاية التي يجب أن يمارسها كل مسؤول مع رعيته من أعلى موقع في الهرم الإداري إلى قاعدته؛ مما يرسخ الاحترام المتبادل والتعاون على البر والتقوى.
10-    أن جميع الممارسات الإدارية وما يتمخَّض عنها من نتائج تخضع للمفهوم التعبدي الذي أساسه عبادة الله وحده لقوله I: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، بينما في الإدارة العلمية فالممارسات الإدارية خاضعة للمفهوم المادي النفعي.

ثانيًا- معايير النموذج البيروقراطي عند ماكس فيبر:
1-     التسلسل الرئاسي أو التدرج الهرمي للسلطات، ولقد قدَّم فيبر ثلاثة أنواع من السلطات عبر نظريته، وهي:
أ- السلطة القانونية: وهي القوة الرسمية المنبثقة من النظام.
ب- السلطة التقليدية: وهي القوة التي ترتكز على أسس اجتماعية كالعادات والتقاليد والأعراف كسلطة شيخ القبيلة على أفراد قبيلته، وسلطة الآباء على أولادهم والكبار على الصغار والأثرياء على الفقراء.
ج- السلطة ذات التأثير القوي: وهي القوة الشخصية نظرًا لتمتع الشخصية بصفات قد تكون عسكرية كنابليون، أو دينية كالأنبياء والمصلحين، أو اجتماعية وسياسية كغاندي.
2-     الهيكل التنظيمي وتقسيم العمل.
3-     الرسميات أو اللوائح والقواعد والقرارات والإجراءات المكتوبة للرجوع إليها.
4-     فصل الإدارة عن الملكية: أي يجب أن يكون هناك هيئة إدارية عليا يدفع لها أجر.
5-     الوظيفة ليست ملكاً لمن يشغلها: فيمكن نقل الفرد أو ندبه أو إعارته أو تقاعده في ضوء متطلبات العمل.
6-     كفاءة وتدريب خاص للهيئة الإدارية.
7-     اختيار الأعضاء على أسس الكفاءة والمنافسة.
8-     التأثير القانوني: وذلك بجعل الأعمال قانونية لتأكيد الموضوعية وعدم التحيز.
·          أسباب الفشل وأوجه القصور في النموذج البيروقراطي:
1-     أن تطبيق العملية بانتظام ونسق وميكانيكية دقيقة يخالف طبيعة المنظمات البشرية وحاجاتهم إلى الأمن والمال والقوة والارتقاء والمكانة وما إليها.
2-     إغفاله للجانب غير الرسمي.
3-     إهمال تقويم السمات والاعتبارات الإنسانية والقيم المختلفة المتداخلة في الموقف.
4-     الاستخدام السيئ لمعيار التخصص: فقد ينتج عن ذلك العزلة أو تضييق المهام أو زيادة عدد الموظفين في مجال معين، أو السعي للتخصصات المبنية على التفويض.
5-     الاستخدام السيئ للإجراءات الروتينية: مما يزيد التعقيد وتراكم الأعمال واستغراق الإجراء زمناً حتى يتم مروره على عدد كبير من الموظفين ليتم الموافقة عليه.
6-     الاستخدام الخاطئ للتسلسل الرئاسي: مما ينشأ عنه المركزية ورجوع إداريي المستوى الأدنى في جميع الأمور إلى رؤسائهم، وافتقاد الأخذ بالرأي وروح المبادأة والابتكار.
7-     الاستخدام الحرفي للقوانين والالتزام الجامد باللوائح: قد يؤدي إلى الجمود في تصريف الأمور وحل المشكلات.
8-     التطبيق الخاطئ لمعيار ثبات الراتب ودوام الوظيفة: قد يؤدي إلى التكاسل واللامبالاة، واستغلال أوقات العمل لتحقيق مصالح شخصية.
·     مناقشة معايير النموذج البيروقراطي في الإدارة في ضوء النظرة الإسلامية: (المزجاجي، 2000)
من جانب المنظور الإسلامي فنظرية البيروقراطية ليست كلها مساوئ، كما أنها ليست كلها مزايا، وقد نالت من علماء الإدارة قدرًا وافرًا من الانتقادات العلمية -كما ذُكر سابقًا- ولكن تبقى الإشارة إلى المزايا الخاصة بالبيروقراطية التي تتفق مع ما جاء به الإسلام في المجال الإداري، فبالنظر إلى ما اشتملت عليه البيروقراطية من عناصر الدقة والالتزام والقانون والموضوعية في العمل، واستغلال الإمكانات المتاحة، وحسن الأداء؛ يظهر الإسلام سبَّاقًا إلى كل ما أشار إليه فيبر منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان، إضافةً إلى مزايا أخرى لم تذكرها البيروقراطية، ومنها:
1-     أن الدقة في العمل للموظف هي من معايير العمل الصالح المحبب إلى الله U، فالله يحب المسلم الذي يحرص في عمله على الدقة والانضباط، والذي ينتج عنه الإتقان، يقول رسول الله r: "إن الله تبارك وتعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" [صحيح].
2-     إن الأنظمة والتعليمات التي أشار إليها فيبر ليست بالطبع في عظمة وفاعلية وقوة وثبات الشريعة الإسلامية، فقوانين وأنظمة البيروقراطية بشرية متقلبة متذبذبة تتبع المصالح والأهواء الشخصية، أما في الشرع فمنبعها القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والسنة المطهرة وهي ثابتة وقوية وهادفة ونفعها للجميع.
3-     أن الموضوعية التي تحدث عنها فيبر مصدرها الإسلام، ولا توجد موضوعية في تاريخ السلوك البشري ماضيه وحاضره ومستقبله كموضوعية الإسلام، يقول I: ﴿وَإِذا قُلتُم فَاعدِلوا وَلَو كانَ ذا قُربى [الأنعام: 152]، وقال I: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّـهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة: 8]، وقال النبي r عندما رفض وساطة أسامة بن زيد t من أجل إبطال الحد الشرعي عن المرأة المخزومية التي سرقت: "أتشفع في حد من حدود الله؟! ... لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها" [صحيح]. فالله U أمر عباده بالعدل في أحكامهم وقراراتهم ولو كان تأثيرها يمس الأقارب، وأن يصدعوا بالحق والعدل حتى ولو كان الحكم أو القرار يصب في صالح عدوٍّ لهم؛ فإن ذلك أقرب للتقوى. فالتجرد من العاطفة والمشاعر الإنسانية في الحق هو ذروة الإيمان والطاعة والتقوى المنشودة للمسلم قائدًا وأتباعًا في المؤسسات الحكومية (إدارة عامة) والتجارية (إدارة خاصة) على السواء، وهي في المجال الحكومي أهم؛ لأن خدماتها تطال جميع فئات المجتمع.
4-     أن الاستخدام الأمثل للموارد أمر به الإسلام، حيث أنه ذمَّ المسرفين وجعلهم من إخوان الشياطين، كما ذمَّ الشح؛ لأنه تعطيل لنعم الله Y على عباده، إذ يقول المولى I: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67]، وما ينطبق على الأموال وإنفاقها ينسحب أيضًا على الطاقة البشرية والفنية التي هي بجانب الطاقة المالية تمثِّل الإمكانات التي هي أحد عناصر العملية الإدارية.
5-     أن الأهداف التي يحرص التنظيم الإداري في الإسلام على تحقيقها يجب أن تكون مشروعة وذات نفع خاص وعام، وليس الحال هو في التنظيم البيروقراطي؛ إذ أن الموظف عليه أن يعمل على تحقيق أهداف التنظيم الذي ينتمي إليه، وينفذ سياسته بغض النظر عن ماهية هذه الأهداف، حتى ولو كانت ذات أضرار بالغة على المجتمع فإنه موجه لتحقيقها بشكل آلي.
6-     أن الإسلام كرَّم الإنسان لأنه خليفة الله في الأرض، واحترم رأيه وأعطاه فرصة للمشاركة في النشاط الإداري وقراراته، ووصف المؤمنين العاملين بهذه القاعدة الشورية ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى: 38]، واستجاب لرغبات الإسنان ونظمها وعامله معاملة كريمة، بينما نظرية البيروقراطية تجاهلت الإنسان وقيمه واعتبرته ترسًا في آلة الإدارة يحركه المال، ويزيد من نشاطه شريطة أن يعمل ليحقق أهداف التنظيم الذي يخضع له.
7-     إن بعض الأمثلة التي استخدمها ماكس فيبر ليوضح بها حقيقة السلطة التقليدية أثناء حديثه عن أنواع السلطات هي أمثلة باطلة في الإسلام، وهي كالآتي:
أ- سلطة الأب على أبنائه ليست تقليدية كما ادَّعى فيبر، وإنما قانونية في الإسلام؛ لأن الله U عطف طاعة الوالدين والإحسان إليها بعبادته في قوله I: ﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا [الإسراء: 23].
ب- سلطة الغني على الفقير ليست حقيقية في الإسلام؛ لأن الفقير له حقٌّ معلوم، وهو الزكاة في مال الغني، إذ يقول I: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات: 19]، فإعطاء الغني الفقير حقَّه المعلوم هذا، ليس مِنَّةً ولا تفضُّلًا؛ وإنما طاعةٌ وكأن الوضع مقلوب هنا فتظهر للفقير سلطة –إن جاز التعبير- على الغني بتوجيه من الله Y، بل إن الغني الذي يخشى الله Y هو الذي يبحث عن الفقير المحتاج ليعطيه الزكاة بلا مَنٍّ أو أذى، لا أن ينتظر حتى يأتي إليه محافظةً على كرامة الفقير كإنسان.
ج- سلطة الكبير على الصغير ليست موجودة في الإسلام، وإنما توجد بدلًا منها علاقة متبادلة؛ حيث يتلقَّى الكبير سنًّا أو علمًا أو مكانةً اجتماعيةً أو ما شابه ذلك من الصغير توقيرًا وإجلالًا واحترامًا مقابل أن يلمس الصغير من الكبير العطف والرحمة، وفي هذا يقول الرسول r: "ليس منَّا مَن لم يرحَم صغيرَنا ويعرِفْ حقَّ كبيرِنا" [صحيح].
8-     أن الأمثلة التي استخدمها فيبر ليوضح بها حقيقة السلطة ذات التأثير القوي أمثلة غير دقيقة، وفيها خلط غير مقبول في الإسلام؛ مثل إدراجه الأنبياء في القيادات الدينية، وجعلها في مصافّ نابليون العسكري وغاندي السياسي، وكل هؤلاء – في نظر فيبر- لديهم الشخصية القوية النافذة، وكان من الأفضل له ألا يقحم الأنبياء في أمثلته هذه؛ لأنهم من اختيار المعبود Y وليس من اختيار العباد. ولكن يبدو أن الفكر الغربي ليس لديه مقياس معياري للنبوّة والنبيّ؛ لأن ثقافتهم الدينية هشّة، وهذا خلاف ما هو موجود في الإسلام وثقافته الأصلية.

ثالثًا- مبادئ نظرية التقسيم الإداري عند هنري فايول في ضوء الكتاب والسنَّة:
1-    تقسيم العمل: (الجريسي، د.ت)، (المطيري، 2004)
ويقصد به التخصص، فكلما ازدادت المجتمعات رقيًّا كلما ازداد أعضاؤها تميزًا في القدرة على أداء نوع معين من الأعمال، ومن الآيات التي تدل على تقسيم العمل والتخصص قوله I حكاية عن نبيِّه يوسف u:﴿قالَ اجعَلني عَلى خَزائِنِ الأَرضِ إِنّي حَفيظٌ عَليمٌ [يوسف: 55]، حيث نجد أن يوسف u يرشح نفسه لمنصب يقابل وزير المالية أو التموين في عصرنا الحاضر، وهو منصب يتعلق بالأرقام والإحصاءات والأموال والتخطيط والتخزين والتوزيع، وكل هذه المهمات تحتاج إلى العلم والحفظ، وهما الصفتان اللتان أبرزهما يوسف u في عرض مؤهلاته لطلب الترشيح للوظيفة. وهو قدّم الحفظَ على العلم لاشتماله على معنى العدل والأمانة، وهما أساس في الإدارة في المفهوم الإسلامي.
ومن ذلك أيضاً قوله I: ﴿وَما كانَ المُؤمِنونَ لِيَنفِروا كافَّةً فَلَولا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرقَةٍ مِنهُم طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهوا فِي الدّينِ وَلِيُنذِروا قَومَهُم إِذا رَجَعوا إِلَيهِم لَعَلَّهُم يَحذَرون[التوبة: 122]، وهذا يُعدّ نصاً في تقسيم المهمات، وتخصيص الأعمال، ففي الآية - كما ذكر المفسرون - توجيهٌ للمؤمنين بعدم الخروج للجهاد جميعاً، بل تخرج طائفة منهم وتبقى الأخرى عند رسول الله r لتتفقه في الدين حتى إذا رجع إخوانهم من الجهاد أخبروهم بما تعلموه من رسول الله r من أمور دينهم.
وقوله I: ﴿ مَّا جَعَلَ اللَّـهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [الأحزاب: 4]، فالآية تدل بوضوح على أن القدرة الإنسانية تقصر عن أداء عدد من المهمات في آن واحد، إذ ليس لأحد من الناس قلبان يعقل بهما كما روي في سبب نزول الآية أن رجلاً من قريش ادعى ذلك فنزلت الآية مُكذِّبة لزعمه.
أما في السنة المطهرة فقد جاء عن النبيِّ r التحذير من إسناد الأمور إلى غير أهلها، وعَدَّه من تضييع الأمانة، فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: "إذا ضُيِّعَت الأمانة فانتظر الساعة"  قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: "إذا أُسنِد الأمرُ إلى غير أهله فانتظر الساعة" [صحيح]. وقال r - مثبتًا منقصة الخيانة لمن حابى في تولية من ليس أهلاً للولاية - : "من استعمل رجلاً من عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله وخان المؤمنين" [صححه الألباني].
أما قوله r: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدُّهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبيُّ بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أميناً وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" [صحيح مرفوع]، فالحديث إشارة واضحة إلى عظيم علمه r بأهمية التخصص في الأعمال، فها هو يخص أبيَّ بن كعب بمعرفة أوجه القراءات، وزيدَ بن ثابت بعلم الفرائض، ومعاذ بن جبل بعلم الحلال والحرام، وأبا عبيدة بأمانة الأمة.
وإسناد العمل إلى المختص به هو من الأسباب المسهمة في إنجاح هذا العمل وإتقانه، وهذا مما شدد عليه الإسلام، سواء في جانب الأعمال التعبدية أو الأعمال الدنيوية، ومما لاشك فيه أن أداء العمل على أسس صحيحة يوفر الجهد والوقت والمال فلا يُهدَر بعد ذلك في التصحيح والتقويم، وإلى ذلك وجّه النبيُّ r الأمة بقوله: "إن الله تبارك وتعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" [صحيح].
وقوله r: "استعينوا على كل صنعة بصالحي أهلها" [ضعيف].
ومن الأحاديث النبوية التي تدل على وجوب إسناد العمل إلى المختص به أيضاً قول رسول الله r: "من استعمل رجلًا وهو يجدُ غيرَه خيرًا منه وأعلمُ منه بكتابِ اللهِ وسنَّةِ نبيِّه فقد خان اللهَ ورسولَه وجميعَ المؤمنين" [ضعيف]. وفي رواية: "مَنِ استَعْمَل رَجُلًا على عِصابةٍ، وفي تلك العِصابةِ مَنْ هو أرضَى للهِ منه؛ فقد خان اللهَ ورسولَه، وخان جماعةَ المسلمينَ" [ضعيف].
2-    المسؤولية والسلطة: (المطيري، 2004)
فالمسؤولية نتيجة طبيعية للسلطة؛ وعلى ذلك يجب تحديد درجة المسؤولية أولاً ثم تخويل صاحبها السلطة المناسبة لإصدار الأوامر.
ومن الآيات التي تدل على هذا المبدأ قوله I: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ [ص: 26].وقوله I: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّـهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج: 41].
أما ما ورد عن هذا المبدأ في الأحاديث النبوية فقوله r: "كُلُّكُم راعٍ ، وكُلُّكُم مَسْؤُولٌ عَن رَعِيَّتِه، الإِمامُ راعٍ ومَسؤُولٌ عنْ رعِيَّتِه، والرَّجُلُ راعٍ في أهلِه وهو مَسْؤُولٌ عن رعيَّتِهِ، والمرْأةُ راعِيةٌ في بيتِ زوجِها ومَسْؤُولةٌ عن رعِيَّتِها، والخادِمُ راعٍ في مالِ سيِّدِه ومَسْؤُولٌ عن رعيَّتِه، وكُلُّكُم راعٍ ومَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِه" [صحيح ].
وقوله r: "ما مِن عبدٍ يَسترعيهِ اللَّهُ رعيَّةً يموتُ يومَ يموتُ وَهوَ غاشٌّ لرعيَّتِهِ إلَّا حرَّمَ اللَّهُ علَيهِ الجنَّةَ " [صحيح].
3-    الالتزام والطاعة: (المطيري، 2004)
فالنظام يعني إطاعة الأوامر وتنفيذها؛ إذ أنه بدون النظام لا يمكن أن تزدهر أية مؤسسة.
يقول I: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: 59].
ومن الأحاديث النبوية التي تحث على الالتزام والطاعة قوله r: "اسمعوا وأطيعُوا، وإن استُعمل عليكم عبدٌ حبشيٌّ، كأنَّ رأسَه زبيبةٌ" [صحيح]. وقوله r: "السمعُ والطاعةُ على المرءِ المسلمِ فيما أحبَّ وكرهَ، ما لم يُؤمَرُ بمعصيةٍ، فإذا أُمِرَ بمعصيةٍ فلا سمع ولا طاعةَ" [صحيح]. وقوله r: "من أطاعني فقد أطاعَ اللهَ ومن عصاني فقد عصى الله. ومن يُطِعِ الأميرَ فقد أطاعَنِي، ومن يَعْصِ الأميرَ فقد عَصَانِي" [صحيح].
4-    وحدة الأمر: (المطيري، 2004)
فالتعليمات تصدر من رئيس واحد فقط؛ لكيلا ينتج الاستهانة بالسلطة والإخلال بالنظام وإشاعة الفوضى بما يشعر الفرد بعدم الرضا.
يقول I: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ [ص: 26]. وقال I أيضًا: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّـهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج: 41].
ومن الأحاديث النبوية التي تحض على وحدة الأمر قول الرسول r: "لا يحلُّ لثلاثةٍ يكونونَ بفلاةٍ من الأرضِ إلَّا أمَّروا عليهِم أحدَهم" [ضعيف]. وقوله r: "إذا خرَج ثلاثةٌ في سفَرٍ فلْيُؤمِّروا أحَدَهم" [صحيح].
5-    وحدة التوجيه: (الجريسي، د.ت)
وتعني رئيس واحد وخطة واحدة ؛ لتنسيق القوى وتركيز الجهود.
يقول I: ﴿ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدينَ [النحل: 125].
ويقول النبيِّ r: "إن الدِّينَ النصيحةُ - إن الدِّينَ النصيحةُ - إن الدِّينَ النصيحةُ. قالوا: لمَن يا رسولَ اللهِ؟ قال: للهِ ولكتابِه ولرسولِه ولأئمةِ المسلمين وعامَّتِهم" [صحيح]. وثمة توجيه آخر من النبيِّ r لأصحابه ولعامة المسلمين في الحث على التوجيه والإرشاد، يتجلى في قوله r: "مَن رأى مِنكُم مُنكرًا فليغيِّرهُ بيدِهِ، فإن لَم يَستَطِع فبِلسانِهِ، فإن لم يستَطِعْ فبقَلبِهِ. وذلِكَ أضعَفُ الإيمانِ" [صحيح].ومن أجل أن يكون التوجيه فعالًا فإنه يتعين أن يكون على فترات دون إطالة؛ لأن الإطالة تبعث على الملل والسآمة، فقد جاء عن عبد الله بن مسعود t أنه قال: "كانَ النَّبيُّ r  يتخوَّلُنا بالموعظةِ في الأيَّامِ كراهةَ السَّآمةِ علَينا" [صحيح].
6-    خضوع المصالح الفردية للمصلحة العامة: (محمد، 2015)
فالفرد يعمل لصالح المجتمع، وهنا يجب على الإدارة مراعاة الحزم والقدوة والعدالة والرقابة.
قال I: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9].
ومن صفات المؤمنين أنهم يطعمون الطعام للمحتاج على حبهم إياه وشهوتهم له ابتغاء وجه الله، قال I: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّـهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان: 8 - 9].
وقوله I: ﴿مَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر: 7 - 8]، فعندما هاجر المهاجرون مع النبي عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة، ترك الكثير منهم أموالهم خلفهم، ولقد سخت نفوس الأنصار بالنسبة للمهاجرين، ولكن الفجوة ظلت واسعة بين أثرياء المدينة وفقراء المهاجرين إلى أن كانت موقعة بني النضير، التي لم تقع فيها حرب بل سُلِّمت للنبي r صلحًا. فقرر r أن يكون فيؤها - والفيء كله لله والرسول بخلاف ما يقع في الحرب إذ تكون أربعة الأخماس للمقاتلين والخمس وحده لله والرسول -  للمهاجرين؛ وبذلك أعاد لجماعة المسلمين شيئًا من التوازن في الملكية.
ومن الأحاديث النبوية التي وردت في تغليب المصلحة العامة على المصلحة الفردية قوله r: "المسلِمونَ شُركاءُ في ثلاثةٍ: في الكَلَأِ، والماءِ، والنارِ " [صحيح]. وقوله r: "لا يُمنعُ الماءُ والنارُ والكلأُ" [صحيح]. وقوله r: "من كانَ عندَهُ فضلُ ظَهْرٍ فليعُدْ بهِ علَى مَن لا ظَهْرَ لَه ومن كانَ عندَهُ فَضلُ زادٍ فليَعُدْ بهِ علَى مَن لا زادَ لَه حتَّى ظننَّا أنَّهُ لا حقَّ لأحدٍ منَّا في الفَضلِ" [صحيح]. وقوله r: "أيُّما أَهلِ عَرْصَةٍ أصبحَ فيهمُ امرؤٌ جائعٌ فقد برِئت منهم ذمَّةُ اللَّهِ تبارَك وتعالى" [ضعفه الألباني]، والعرصة: البقعة أو الساحة بين الدور. وقوله r: "إنَّ الأشعريِّينَ إذا أرملوا في الغزوِ أو قلَّ طعامُ عيالِهم بالمدينةِ جمعوا ما كانَ عندَهم في ثوبٍ واحدٍ ثمَّ اقتسموهُ بينَهم في إناءٍ واحدٍ بالسَّويَّةِ فَهم منِّي وأنا منْهم" [صحيح]. وقوله :r "ليس المؤمنُ الَّذي يشبَعُ وجارُه جائعٌ" [صحيح]. ومما يدل على تعزيز خضوع المصالح الفردية للمصلحة العامة قوله r: "لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" [صحيح]. ومن تقديم المصلحة العامة أيضًا منعه من تلقي الركبان، وهي مصلحة أهل السوق على مصلحة خاصة، وهي مصلحة المتلقي في أن يحصل على السلطة ويعيد بيعها بربح يعود عليه. والنهي عن الاحتكار في قوله r: "لا يَحْتَكِرُ إلَّا خاطئٌ" [صحيح].
7-    مكافأة الأفراد والأجور: (المطيري، 2004)، (المزجاجي، 2000)
وذلك لتحسين مستوى الأداء ورفع مستوى الإنتاج.
وقد كان لموضوع الحوافز حيِّزٌ في توجيهات القرآن الكريم والسنة النبوية حيث قال I: ﴿وَلا تَبخَسُوا النّاسَ أَشياءَهُم [هود: 85].
وقال I: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7 - 8].
وقال I: ﴿إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ إِنّا لا نُضيعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلًا [الكهف: 30].
وقال I: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [العنكبوت: 27].
وقال I: ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ [القصص: 77].
وقال I: ﴿وَيُبَشِّرَ المُؤمِنينَ الَّذينَ يَعمَلونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا حَسَنًا [الكهف: 2].
وقال I: ﴿قالَ لَو شِئتَ لَاتَّخَذتَ عَلَيهِ أَجرًا [الكهف: 77].
وقال I: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [الطلاق: 6].
ومن الأحاديث النبوية قوله r: "مَن استأجرَ أجيرًا فليُعلِمهُ أجرَهُ" [ضعيف]، وقال r: "أَعطُوا الأجيرَ أجْرَه قبلَ أن يَجِفَّ عَرَقُه"         [ضعيف]، وفي الحديث القدسي (وهو ما ينسب قوله إلى الله I، ولفظه إلى الرسول r)، قال رسول الله r: قال الله تعالى: "ثلاثةٌ أنا خَصمُهمْ يومَ القيامَةِ ..."، وذكر منهم: "ورجلٌ استأجَرَ أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطِهِ أجرَهُ" [صحيح].
8-    المركزية : (السيد، 1999)
وهي أمر يتطلبه منطق الطبيعة كمبدأ تقسيم العمل.
قال I: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّـهُ [النساء: 105].
ومن أهم مظاهر المركزية الإدارية التي يمكن استخلاصها من تركيز السلطة بين يدي الرسول r، ما يلي:
أولًا - تفرد الرسول r باختيار العمال وتعيينهم، بعد التحقق من شروط الكفاءة والجدارة بهم.
ثانيًا - ممارسة الرسول r لسلطة التوجيه، وإصدار التعليمات التي يجب على المرؤوس أن يلتزم بها في أعماله القانونية والمادية، وتظهر هذه السلطة جلية في بعثته r لعمرو بن حزم إلى بني حارث ليكون واليًّا عليهم، إذ كتب له كتابًا تضمن العديد من التوجيهات.
ثالثًا - مباشرة الرسول r لمظاهر السلطة الرئاسية على أعمال المرؤوس وشخصيته، وهو ما يستفاد من رقابة الرسول r لعامليه ومحاسبتهم، فقد عزل r عامله على البحرين (العلاء بن عبدالله بن عماد الحضرمي)، وعيَّن عاملًا غيره.
9-    تدرج السلطة: (الجريسي، د.ت)، (المطيري، 2004)
فينبغي توضيح تسلسل الرئاسات من الأعلى إلى الأدنى، وتوضيح نطاق الإشراف؛ لسهولة القيام بمقتضيات حدود اتصالات العمل، وملاءمته مع الحاجة إلى السرعة في تنفيذ الأعمال أو حل المشكلات المعروضة.
ويشير القرآن الكريم إلى هذا المبدأ في قوله I: ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا [الزخرف: 32]، أي: ليكون كلٌ منكم مسخرًا لخدمة الآخر وسببًا في معاشه.
وقوله I: ﴿وَهُوَ الَّذي جَعَلَكُم خَلائِفَ الأَرضِ وَرَفَعَ بَعضَكُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجاتٍ لِيَبلُوَكُم في ما آتاكُم [الأنعام: 165].
وقوله I: ﴿يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة: 11].
وقوله I: ﴿وَاللَّـهُ فَضَّلَ بَعضَكُم عَلى بَعضٍ فِي الرِّزقِ [النحل: 71].
ومن الأحاديث النبوية التي تشير إلى مبدأ تدرج السلطة قول الرسول r: "لا يحلُّ لثلاثةٍ يكونونَ بفلاةٍ من الأرضِ إلَّا أمَّروا عليهِم أحدَهم" [ضعيف]. وقوله r: "إذا خرَج ثلاثةٌ في سفَرٍ فلْيُؤمِّروا أحَدَهم" [صحيح].
10-                        الترتيب والنظام: (الجريسي، د.ت)
فترتيب الأهداف والأولويات، وترتيب المواد المستخدمة في العمل، وتواجد الأفـراد في الأمكنة المناسبة لهـــم يتيح سهولــة مزاولـــة مختلف الأنشطة في أقـــل جهد ووقت وتكلفة، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق التنظيم الجيد والاختيار الجيد.
فحين أمر المولى U النبيَّ r بالدعوة في قوله I: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ [المدثر: 1 - 2]، فإنه حدّد له أولوية دعوة الأقربين من عشيرته بقوله I: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: 214]. وحين أمر I المسلم بالحذر من النار واتخاذ سبل الوقاية منها أمره أن يبدأ بنفسه ثم بأهله، وذلك في قوله I: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم: 6].
ومن الأحاديث النبوية التي تدل على هذا المبدأ وصيّة النبيِّ r لمعاذ بن جبل t حين بعثه إلى اليمن لدعوتهم إلى الإسلام، في قوله r: "إنك ستأتي قومًا أهلَ كتابٍ، فإذا جئتَهم فادْعُهم إلى: أن يشهدوا أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأن محمدًا رسولُ اللهِ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبِرْهم أن اللهَ قد فرض عليهم خمسِ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبِرْهم أن اللهَ قد فرضَ عليهم صدقةً، تؤخذُ من أغنيائِهم فتردُّ على فقرائِهم, فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائمَ أموالهٍم، واتقِ دعوةَ المظلومِ، فإنه ليس بينَه وبين اللهِ حجابٌ" [صحيح].
نلحظ من سياق هذا الحديث أن النبيَّ r قد حدّد لمعاذ بن جبل t أهداف البعثة ورتّب له أولويات الدعوة، حتى لا تذهب جهوده سدى، كل ذلك من أجل أن تحقق البعثة أهدافها المرسومة في أقل وقت ممكن.
11-                        العدالة والمساواة : (المطيري، 2004)
وذلك لتشجيع العاملين على الأداء بأعلى طاقاتهم، وإحساسهم بالولاء والإخلاص لعملهم.
قال I: ﴿وَإِذا قُلتُم فَاعدِلوا وَلَو كانَ ذا قُربى [الأنعام: 152].
وقال I: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّـهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة: 8].
وقال I: ﴿إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء: 58].
وقال I: ﴿إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ [النحل: 90]. وقال I: ﴿وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات: 9].
ومن الأحاديث النبوية التي تحث على مبدأ العدل والمساواة، قوله r: "وايمُ اللهِ لو أنَّ فاطمةَ بنتَ محمدٍ سَرقَتْ لقطَعتُ يدَها" [صحيح]. وقوله r: "يا فاطمةُ بنتَ محمَّدٍ! يا صفيَّةُ بنتَ عبدِ المطَّلبِ! يا بني عبدِ المُطَّلبِ! لا أملِكُ لكم مِن اللهِ شيئًا. سَلُوني مِن مالي ما شِئْتُم" [صحيح]. وقوله r: "سبعةٌ يُظلِّهم اللهُ في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه: الإمامُ العادلُ ..." [صحيح]. وقوله r: "إنَّ المقسِطين عند اللهِ يومَ القيامةِ على منابرَ من نورٍ عن يمينِ الرحمنِ ، و كلتا يدَيه يمينٌ : الذين يعدِلون في حكمِهم ، و أهليهم و ما وُلُّوا " [صحيح].
12-                        الاستقرار الوظيفي: (المطيري، 2004)، (الجريسي، د.ت)
وذلك بإعطاء الموظف الجديد بعض الوقت؛ ليعتاد على عمله؛ ليؤديه بنجاح.
ومن ذلك قوله I على لسان يوسف u حينما طلب تبرئة ساحته مما ألصق به من تهمة : ﴿ارجِع إِلى رَبِّكَ فَاسأَلهُ ما بالُ النِّسوَةِ اللّاتي قَطَّعنَ أَيدِيَهُنَّ إِنَّ رَبّي بِكَيدِهِنَّ عَليمٌ [يوسف: 50]. وقوله I: ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّـهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ [القصص: 27 - 28]. وقوله I: ﴿لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 233]، فمن البدهيات ألاَّ يُكلف العامل بما لا يُتقِنه، وألاّ يُكلَّف بما لا يُطيق من الأعمال؛ ذلك أن الإنسان إذا كُلِّف بما ليس في وسعه عجز حتمًا عن أدائه، وإن حاول تأديته فإنه يؤديه على وجهٍ فيه خلل وقصور.
ومن الأحاديث النبوية التي تشير إلى هذا المبدأ قوله r: "إخوانُكم خَوَلُكم، جعلَهم اللهُ تحتَ أيديِكم، فمن كان أخوه تحتَ يدِه، فلْيُطعِمْه مما يأكُلُ، وليُلْبِسه مما يَلبَسُ، ولا تُكلِّفوهم ما يَغلِبُهم، فإن كلَّفتُموهم فأعينوهم" [صحيح]. وعن أنس t قال: "ولقد خدمتُ رسولَ اللَّهِ r عشرَ سنينَ فواللَّه ما قالَ لي: أُفٍّ قطُّ، ولا قالَ لشيءٍ فعلتُهُ: لمَ فعلتَ كَذا؟ ولا لشيءٍ لم أفعلْهُ: ألا فعلتَ كَذا؟" [صحيح]. وقال r: "من كانَ لنا عاملًا فليَكتسب زوجةً فإن لم يَكن لَهُ خادمٌ فليَكتسِبْ خادمًا فإن لم يَكن لَهُ مسْكنٌ فليَكتسب مَسْكنًا، ومنِ اتَّخذَ غيرَ ذلِكَ فَهوَ غالٌّ أو سارِقٌ" [صحيح].
13-                         المبادأة أو الابتكار: (المطيري، 2004)
وذلك بأن تقوم الإدارة بتشجيع وتنمية قدرة الموظف على التفكير في حل مشكلاته، أو قدرته على التخطيط لفكرة معينة في العمل.
ومن الآيات التي تدل على هذا المبدأ قوله I: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة: 148]. وقوله I: ﴿وَقُلِ اعمَلوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُم وَرَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ وَسَتُرَدّونَ إِلى عالِمِ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلونَ [التوبة: 105]. وقوله I: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَـزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِيـنَ [آل عمران: 159].
ومن الأحاديث النبوية قوله r: "لأن يَحتطبَ أحدُكم حُزمَةً على ظهرِه، خيرٌ من أن يَسألَ أَحَدًا، فيُعطيَه أو يمنعَه" [صحيح].
14-                        روح الاتحاد والفريق: (المطيري، 2004)، (المزجاجي، 2000)
يتحقق بتجنب بث روح الفرقة بين الأفراد، وتجنب سوء استخدام التعليمات المكتوبة لاتصالات العمل؛ فالأوامر التي تحتاج لمزيد من الشرح أو إنجازها بسرعة يفضل إصدارها شفويًّا.
قال I: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران: 103].
وقال I: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات: 10].
وقال I: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة: 2].
ومن الأحاديث النبوية التي تحث على روح الفريق قوله r: "المُؤمِنُ يألَفُ ويُؤلَفُ ولا خيرَ فيمَنْ لا يألَفُ ولا يُؤلَفُ وخيرُ النَّاسِ أنفَعُهم للنَّاسِ" [حسن].

·       استنتاجات البحث:
ü       أن الدين الإسلامي دين شمول وتكامل، بما حواه القرآن الكريم والسنَّة المطهرة من دلائل تستلزم من المسلم أن يتأمل معانيها، ويفهم تفسيرها.
ü       تنوع مصادر التأصيل لنظريات الإدارة تعطي لطالب العلم فرصة بأن يستنبط ويحلل ويستقرئ النصوص من القرآن الكريم والسنَّة النبوية الشريفة.
ü       ضرورة لفت انتباه الباحث المسلم إلى أنه حين يقرأ نظرية غربية أو شرقية قد يجد في ثناياها بعض الإيجابيات التي لها أصول في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة أو في سلوكيات السلف الصالح أو في اجتهادات التابعين والعلماء المسلمين؛ وهذا يصعب جدًا اعتباره حدثًا بمحض الصدفة أو أنه تقارب معلومات أو تخاطر أفكار، كلا؛ وإنما رواد تلك النظريات قرؤوا بعمق واستيعاب وتحليل قبل أن يكتبوا، ولا سيما وجُلَّ المخطوطات الإسلامية لا زالت تقبع في مكتباتهم، ولا زالت تحظى منهم بعناية علمية وفنية فائقة، فلو كانت هذه المخطوطات غثاءً وغير ذات قيمة علمية عالية؛ لذهبت مع الرياح منذ أمدٍ بعيد. (المزجاجي، 2000)


المراجع

1-        القرآن الكريم.
2-        حديث: مصدر إلكتروني، تم الاسترجاع منه للتأكد من صحة الأحاديث النبوية: http://hdith.com/about.php
3-        أبو داسر، ميمونة مفلح (إبريل، 2019). التأصيل الإسلامي لبعض نظريات القيادة الإدارية التربوية. مجلة مسالك للدراسات الشرعية واللغوية والإنسانية. ع (4). ص (273-300). الدراسات المشارة فيها: (المزاودة، 2014).
4-        أدهم، فوزي كمال (2011). الإدارة الإسلامية. دار النفائس: بيروت.
5-        الجريسي، خالد عبدالرحمن (د.ت). إدارة الوقت من المنظور الإسلامي والإداري . رسالة ماجستير، جامعة الإمام الأوزاعي، لبنان.
6-        السيد، محمد صلاح عبد البديع (1999). الأصول الإسلامية للقانون الإداري المعاصر. القاهرة: دار النهضة العربية.
7-        الصباب، أحمد عبدالله (1993). أصول الإدارة الحديثة. جدة: دار البلاد للطباعة والنشر.
8-        محمد، فايز محمد حسين (2015، إبريل). العدالة في المقاصد والممارسة: (مسألة الخير العام من منظور متجدد). ورقة عمل، الندوة الرابعة عشر – تطور العلوم الفقهية – وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، سلطنة عمان.
9-        المزجاجي، أحمد داود (2000) .مقدمة في الإدارة الإسلامية. (ط1). جدة.
10-   مطاوع، إبراهيم عصمت، وحسن، أمينة أحمد (1996). الأصول الإدارية للتربية.  (ط3). جدة: دار الشروق.
11-   المطيري، حزام ماطر (2004). الإدارة الإسلامية ( المنهج والممارسة ). (ط2). الرياض: مكتبة الرشد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق