السبت، 1 مايو 2021

نظرية التعلم بالاقتران عند جثري وتطبيقاتها التربوية ..!

 




·       نبذة عن حياة جثري ونظريته: (الزغلول، 2003)

العالم أدوين جثري (1959-1886) من أصل أمريكي، ولد جثري في ولاية لينكولن نبراسكا في يوم 9 كانون الثاني/يناير، وكانت والدته معلمة، وكان والده مدير متجر، ودرس مرحلته الجامعية وأكمل دراسته العليا في جامعة بنسلفانيا، فحصل على شهادة الدكتوراة في الفلسفة عام 1912، ومن ثم عمل بالتدريس في جامعة واشنطن من عام 1918 كأستاذ مساعد، ثم نشر كتابه سيكولوجية التعلم عام 1935، ثم عمل مع هارتون من سنة (1939-1936) لدراسة سلوك القطط في صندوق الألغاز، وراجع كتابه سيكولوجية التعلم سنة 1952. حصل على الميدالية الذهبية من الجمعية النفسية الأمريكية، وأصبح عميدًا للدراسات العليا في جامعة واشنطن، توفي في واشنطن بتاريخ 23/نيسان/1959، وكان يغلب على تخصصه الفلسفة أكثر من علم النفس.

يعتبر جثري من أكثر العلماء الذين ثابروا على التقليد السلوكي متأثرًا بموقف واطسون الأصلي، وإسهامه يتمثل في نظريته المعروفة باسم نظرية الاقتران التي حققت له مكانة مرموقة بين علماء النفس الآخرين؛ إذ استطاع أن يترجم نظرية تداعي الأفكار التي نادى بها الفلاسفة التجريبيون في بريطانيا إلى نظرية مثير واستجابة في التعلم بحيث لقيت نظريته الاستحسان.

إن نظرية جثري تعتبر نظرية شرطية مؤسسة على الارتباط والعامل الرئيسي الذي يلعب دوره في ربط مثير معين باستجابة ما هو إلا الاقتران. والاقتران هنا غالبًا ما يكون ارتباطًا زمنيًا، فنحن لا نجد في كتابات جثري وتابعيه غير مفهوم الاقتران الزمني.

والسلوك في نظرية جثري هو حركة، والحركة ينشأ عنها عمل، ووظيفة علم النفس التربوي هي تحقيق عملية التعلم عن طريق التعلم بالعمل، وهذا الاقتران بين موقف استثارة وعمل هو الذي يزيد من سرعة التعلم.

والحركة التي تنشأ عن احتكاك الكائن الحي بموقف يمكن أن تعتبر مثيرًا لحركات أخرى تالية، وتتابع الحركات يؤدي إلى ظهور استجابة صحيحة هي الاستجابة الأخيرة، وهذه الأخيرة هي التي تثبت عند الحيوان.

أخيرًا فإن التعلم يحدث في أول عملية ترابط بين المثير والاستجابة، وما دور التكرار إلا صقل الاستجابة، وممارسة الاستجابة في مواقف مختلفة.

 

·       المفاهيم الأساسية لنظرية التعلم بالاقتران: (العسكري وآخرون، 2012)

أولًا- التعلم:

قام جثري في الثلاثينات من القرن الماضي بإعداد نظرية تقوم على وجهة النظر القائلة بأن التعليم هو "القدرة على الاستجابة بصورة مختلفة في موقف ما بسبب استجابة سابقة للموقف، وهذه القدرة هي التي تميز تلك الكائنات الحية التي وهبها الإدراك العام أو الحكم السليم".

إن نظرية جثري تعد نظرية شرطية مؤسسة على الارتباط والعامل الرئيس الذي يلعب دوره في ربط مثير معين باستجابة ما هو الاقتران، ويقرر جثري في التعلم بالاقتران أنه لا بد من أن نفرق بين كل من الحركات والأفعال؛ فالحركات ما هي إلا أنماط استجابات أولية، كإفراز غدة أو حركة عضلة، أما الأفعال فهي مجموعة حركات هادفة، والاقتران غالبًا ما يكون ارتباطًا زمنيًا، والقانون الرئيس للتعلم في نظرية جثري هو قانون الاقتران الذي صاغه في العبارة الآتية: " إذا نشط مثير ما وقت حدوث استجابة معينة فإن تكرار هذا المثير يؤدي إلى حدوث تلك الاستجابة"

هذا يعني أن التعلم يتم من أول عملية اقتران بين مثير واستجابة؛ فرؤية الشمس الساخنة تذكرنا بالمظلة، وسماع الزغاريد تذكرنا بالأفراح، وهذا يعني أن التعلم عند جثري يتم من  أول عملية اقتران بين المثير والاستجابة، وهذا يعني أن التكرار لا يدعم ما نتعلمه؛ فالاقتران إما أن يحدث من أول محاولة أولا يحدث، والتقارب الزمني والمكاني يساهمان في تكوين هذا الاقتران ويقترح جثري موضوع معالجة التعلم في المدرسة والفصل على أساس الربط بين المثير والاستجابة وتقوية الرباط الشرطي بطريقة تجريبية.

 

ثانيًا- الارتباط:

يرى جثري أن للتعلم مظهرًا واحدًا يعرفه كل إنسان، ذلك المظهر هو الذي تفهمه من الأمثلة الآتية:

الطفل المحروق  ـــــ  يخاف النار

منظر المطر ـــــ  يذكرنا بالمظلة

اسم صديق ـــــ  يذكرنا بزيارته

كل هذه الأمثلة في نظر جثري تتبع قانونًا واحدًا أو مبدأً واحدًا هو مبدأ الاقتران أو الترابط، وهو القانون الوحيد الذي يفسر كل مظهر من مظاهر التعلم في رأي جثري.

وعليه فشرط التعلم في نظرية جثري للتعلم يقوم على تشكيل علاقة ارتباط ما بين المثير والاستجابة، ويفهم الارتباط على أنه ميل حدوث استجابة ما لمثير ما عندما تكون الاستجابة قد حدثت من قبل في حضور ذلك المثير، وبذلك فإن الاستجابة تصبح مرتبطة بذلك المثير.

وعليه تعد نظرية جثري من أكثر نظريات التعلم انصرافًا عن مبدأ التدعيم، ولكن الترابط الذي استخدمه هو ترابط سلوكي ويقول جثري: "يجب أن نميز بين مفهومين للإجابة: الإجابة بمعنى الحركة، والإجابة بمعنى الفعل، فالحركة تعني نمط خاص من النشاط الغُدِّي أو العضلي، مثل إفراز الغدد اللعابية، وثني الساق؛ والفعل يعني طائفة من الحركات يعرفها بالنسبة إلى آثارها أو عواقبها بغض النظر عن نمط النشاط الحركي الخاص الذي تتكون منه، ومن الأمثلة على ذلك: وصول زائر إلى منزلك، طهي الطعام، كتابة رسالة، ففي هذه الأفعال نهتم بالنتائج ولا نهتم بكيفية الوصول إلى هذه النتائج، فإذا وصفنا طهي الطعام فنحن نصف ما أنجزه الفرد وما يعمله ولكن نحن لا نصف الحركات التي ينجز بها هذه الأفعال"، وهذا المفهوم الأخير للإجابة هو الذي يستخدم تجارب الشرطية الإجرائية (صندوق سكنر)؛ وعليه فقط صاغ جثري مبدأ الترابط بالاقتران قائلًا: "إن مجموع المؤثرات الفعالة المقترنة بحدوث إجابة ما سوف تميل إلى استصدار نفس هذه الإجابة إذا أعيد وقوع نفس هذه المؤثرات"؛ وعليه فهو يرى الشرط الضروري للتعلم وفقًا لهذا المبدأ هو التطابق الزمني والمكاني بين مجموعة المؤثرات والإجابة، ويكون الارتباط بينهما بعد الاصطحاب الأول، ويبقى هذا الارتباط محفوظًا بشرط ألا تحدث إجابات أخرى منافسة لأنها تلغي الارتباط الذي تكون بينها وبين الإجابة السابقة، وينشأ ارتباط جديد بين هذه المؤثرات والإجابات المنافسة، والصعوبة الأساسية في مبدأ الاقتران عند جثري أن الإنسان يبذل أكبر عدد ممكن من الاستجابات في الموقف الواحد، وأن هذه الاستجابات هي أن تقترن بالموقف والتي تحدث إذا تكرر الموقف، ويتخلص جثري من الصعوبة بقوله: "إن الاستجابة التي ستكرر هي الاستجابة الأخيرة وهي التي تنهي الموقف"، فالتلميذ الذي يحاول عددًا من الطرق لحل مسألة رياضية لن تظهر كل الطرق التي استخدمها أول الأمر إلا إذا تكرر الموقف وتعرض لحل مسألة أخرى من نفس النوع؛ أي تظهر الطريقة التي أنهت الموقف الأول وتوصل التلميذ إلى حل المسألة.

 

ثالثًا- الكف الارتباطي:

يعتبره جثري انطفاء، فوفقًا لجثري فإن الارتباطات لا تخضع لعملية التدهور التدريجية خلال الانطفاء، بل إن الاستجابة في الارتباط تستبدل أو تعوض باستجابة بديلة والتي تكون متعارضة مع الاستجابة الأصلية، وبالتالي فإن الانطفاء يصبح عملية لتشكيل ارتباطات جديدة وكفِّية، أي بعبارة أخرى عندما يصاحب مثير باستجابة جديدة ويكون هذا المثير قد سبق وصاحب استجابة ما أخرى وكانت الاستجابة الجديدة متباينة تمامًا مع الاستجابة القديمة؛ فإن الارتباط الأول يحذف تمامًا.

 

رابعًا- الكف:

إن الاستجابات الانفعالية مثلها مثل الحركات العضلية، ويرى جثري بأنها في بعض الأحيان تُعاق بحدوث نشاط آخر، وهو يرى العملية الكفِّية كحادث في الجهاز العصبي المركزي، حيث أن إعاقة العصب تحفز الاستجابة بفعل حدوث الدافع لاستجابة أخرى.

 

خامسًا- التكرار:

يختلف جثري عن غيره من علماء النفس السلوكيين في فهمه لأهمية التكرار في التعلم، فهو يرى أن التكرار ضروري بقدر ما تتطلبه المهارة المراد تعلمها من حركات، فإذا كانت هذه المهارة بسيطة والمثير بسيطًا فًسوف لا يحتاج إلا لمحاولة واحدة لحدوث الاقتران، أما في الاستجابات المعقدة فإننا نحتاج لتكرار الموقف حتى يتكون أكبر عدد من الارتباطات، وهذا ينطبق على الفعل الكامل الذي يتمثل في التحكم في ركوب دراجة أو قيادة سيارة أو السباحة، فإنه يتضمن تعلم عشرات أو مئات الحركات التي تعمل معًا في تناسق لتؤدي مظهر السلوك النهائي، وهذه المئات من الحركات لا يسيطر عليها المتعلم من مرة واحدة، وإنما تحتاج إلى تكرار الموقف عددًا من المرات يتم خلالها تعلم الحركات المتضمنة والتوافق بينها حتى يتمكن في النهاية من السيطرة على المهارة الكلية أو نمط السلوك المطلوب.

ولذلك فسر جثري ضرورة التكرار في هذا الموقف أو المواقف المشابهة، لأن مواقف التعلم تشتمل عادة على عدد من المثيرات يختلف من حيث الكثرة أو القلة من موقف لأخر، وهذه المواقف لا يمكن أن تتكرر في الصورة نفسها المرات الآتية، وهذه الصعوبة هي التي تجعل من الضروري أن ترتبط الاستجابة الشرطية بالمثير الشرطي وحده دون غيره من المثيرات، وعليه فإن جثري يعتمد على النتيجة الأخيرة في تفسير الدور الذي يقوم به التكرار في هذه المواقف، فمن رأيه أنه لابد من تكرار التجربة عدة مرات في الموقف المشار إليه حتى يمكن أن تظهر الاستجابة، أما إذا كان الموقف كما حدث أول مرة لأمكن حدوث الاستجابة الشرطية من محاولة واحدة، ولكن تفسير جثري هذا يجعل استخدام نظريته مواقف التعلم المدرسي صعبة للغاية، وحتى جثري نفسه لم يستطع أن ينكرها، ولكي نستفيد من نتائج التعلم ينبغي أن تتكرر المواقف التعليمية كما حدثت تمامًا، فهذا لا يمكن أن يتحقق؛ وعليه فهو ينصح في أهمية التدريب للتلاميذ على مختلف المواقف التي نريد منهم أن يعملوا فيها، وهذا يشكل فرصة متاحة للاستجابات المتعلمة أن تعمل في هذه المواقف.

إن جثري على عكس السلوكيين حيث يقلل من أهمية التكرار بينما اعتبره السلوكيون على جانب من الأهمية فيقول: "إن أي نمط تنبيهي يبلغ أقصى قوته الترابطية في أول ازدواج له مع الاستجابة". أي أن التكرار لا يؤدي في الواقع إلى تقوية الرابط الشرطي وتدعيمه، وهذا يخالف رأي كثير من العلماء في علم النفس المعاصرين، ولا سيما الشرطيين.

وقد صمم جثري وزميله هارثون صندوقًا زجاجيًا يتيح الفرصة لالتقاط صورة الحيوان (القط) قبيل خروجه من الصندوق، ويتمكن القط من الخروج من الصندوق إذا لمس قائمًا مثبتًا في وسط الصندوق يؤدي إلى فتح الباب الامامي للصندوق بطريقة آلية وعند خروجه يجد الطعام (قطعة من السمك) وقد قام المجربان بتسجيل الوقت وتسجيل وضع الحيوان لخطة لمسه العمود.

وقد بينت التجارب أن الحركة الأخيرة للحيوان هي الحركة الأكثر تكرارًا في المرات الآتية، والقط الذي ضرب القائم بظهره وتمكن من الخروج كان يكرر الحركة نفسها في جميع المحاولات الآتية للهرب وهكذا، فإن القط كان يتعلم طريقة الهرب من أول محاولة ثم يكرر الحركة نفسها في كل محاولة تالية للهرب، وبذلك أثبت جثري أن اقتران الحركة بفتح الباب هي التي تجعل من الحيوان تكرارها المرات الآتية، وكذلك بينت النتائج أن القط بعد خروجه من الصندوق غالباً ما كان لا يأكل الطعام الموضوع عند باب الخروج، مما ناقضت نظريات التعلم القائلة بالمكافأة أو الأثر ومنها نظرية ثورندايك الذي قال بأن مكافأة الطعام هي السبب الأول الذي يجعل القطط تتعلم الهرب.

 

سادسًا- الدوافع:

إن المثيرات في حد ذاتها هي عوامل دافعة ترتبط بالاستجابات التي اقترنت بها، وإن الدوافع في نظرية جثري لا تعد مبدأ للتعلم أو شرطًا من شروطه، وإنما تدخل في التعلم كعامل من عوامل التنظيم الآلي، وقد اعتبر جثري أن السلوك عمل والعمل يتكون من عدد من الحركات الناشئة عن مثير معين، فالثواب أو الأثر الطيب لا يدعم أو يقوي الارتباطات بين الحركات، وإنما يحافظ عليها؛ أي عن هذه السلسلة من الحركات من عملية التفكير، فسلوك الحيوان الجائع يختلف عن سلوك الحيوان الشبعان، وبالتالي تختلف الأعمال والحركات لكل منهما؛ وعليه فالدوافع تحافظ على وحدة هذا النشاط من التفكك.

 

سابعًا- الثواب والعقاب:

إن المثوبة تؤثر في نتائج التعلم؛ وذلك أن المثوبة لا تضيف شيئًا إلى التعلم بالارتباط من ترتيب ميكانيكي يضع المثوبة في نهاية سلسلة من الأفعال تنقل الكائن الحي من المثيرات المؤثرة إلى المثوبة. وعليه فإن المثوبة في نظر جثري لا تقوي الارتباطات، بل تحافظ عليها من عدم التعلم، أما العقاب فيقوم بأمور عدة دفعة واحدة، وبصورة عامة فإن تأثيره في التعلم محدود، وهناك أربع حالات هي:

أ- العقاب الخفيف: يمكن أن يكون مثيرًا فقط ومقويًا للسلوك الجاري دون أن يقطعه.

ب- العقاب الأقوى: يمكن أن يحطم العادة السابقة عن طريق تأديته إلى سلوك مضاد، وذلك بحضور الإشارة المنبه للعادة السابقة.

ج- العقاب المستمر: يفعل فعل الدافع وتنتج مثيرات مقوية تبقي العقوبة فاعلة إلى أن تجد متنفسًا لها، وبذلك تكون النتائج للتعلم شبيهة بنتائج الثواب، وعليه فإن الفعل الذي يقود إلى الأمان مثيب لأنه يوقف العقاب وهو بإزالة المثيرات المقوية.

د- إن المثيرات التي كانت قد رافقت العقاب تنتج سلوكًا حدث أثر العقاب نفسه، وهذا مثال على الاستجابة التوقعية اللازمة للسلوك التجنبي، وأن الإشارات المراد تجنبها يجب أن تكون حاضرة وقت العقاب إذا أردنا حصول التوقع.

 

·       الافتراضات الأساسية للنظرية: (عبدالهادي، 2007)

أولًا- التعلم هو ارتباط بين المثير والاستجابة:

إن أحكام نظرية جثري تقع أساسًا في مبدئه الوحيد والبسيط للتعليم: "إن مجموعة المثيرات التي تصاحب حركة ما تميل عند تكرارها أن تكون متبوعة بتلك الحركة"، وقد صرح جثري عن الشكل الأساسي للمبدأ عما يقارب الربع قرن، وعباراته الأساسية لا تحتوي على إشارة للتعزيز، والدافعية، أو العقاب، أو أي متغيرات أخرى كالتي أدخلها "هل، وثورندايك وتولمان" في نظرياتهم.

إن مبدأ جثري الأساسي في التعلم يعتبر مضللًا، وعلى كل حال فإن المقدمة الرئيسية هي أنه عندما يحدث مثير واستجابة مع بعض (معًا في الزمن)؛ فإن تكرار المثير سيجر تكرار الاستجابة؛ ولهذا السبب تعتبر نظرية جثري نظرية الاقتران في التعلم.

ويحددج جثري المثير على أنه أي تغيير في العالم الفيزيائي، والذي يستدعي استجابة.

إن مفهوم المثير يشير إلى صورة البيئة التي تؤثر على مستقبلات الحس بما في ذلك الضوء، اللمس، الصوت، الذوق، مجتمعة أو كل واحدة لوحدها، وتعتبر هذه النظرية نظرة فيزيائية للعالم، وهي خاصية السلوكيين في سنة 1930، وقد عدل جثري مفهوم المثير عنده؛ وذلك بالتركيز على آلية الانتباه.

ونلاحظ بأن مفهوم جثري للاستجابة كان أقل نمطية، فهو يميز بين النماذج المعقدة من السلوك والحركات العضلية المفردة، والتي تكون في مجموعها فعلًا ما، فالقط الذي يتعلم سحب سقاطة الباب ليفتح بابًا صغيرًا ليخرج منه فقد تعلم عملًا وهو سحب السقاطة، ووفقًا لجثري فإن الحيوان يجب أن يلاحظ فعليًا وهو يتعلم سلسلة من الحركات الفردية التي تتضمن عضلات ساقيه ورقبته وظهره وأجزاء أخرى من جسمه.

إن مبدأ الإشراط في نظرية جثري يؤكد على العلاقة ما بين حركات العضلات والمثيرات في بيئة الحيوان، وليس بين حركة إسقاط السقاطة والمنبهات الخارجية المرتبطة بها. وعلى سبيل المثال فإن الحيوان يتعلم أن يحرك عضلات معينة في ساقيه وكتفه عندما يرى السقاطة، وإن حركة هذه العضلات كانت هي الاستجابات الأخيرة التي حدثت بحضور أو بوجود السقاطة.

إن تعلم أي حركات سلوكية تعتبر عملية لتشكيل ارتباطات متعددة ما بين ملامح أو صور البيئة (الميرات) وحركات عضلية معينة (الاستجابات).

 

ثانيًا- الحركات هي نفسها تعتبر مصدرًا للمثيرات:

يؤكد جثري بأنه إلى جانب البيئة الخارجية فإن الاستجابات تقدم مصدرًا آخر من المثيرات للسلوك بصورة عامة، فهي المثيرات العضلية الذاتية أو الباطنية الناتجة عن العضلات، أو عن أحداث داخلية أخرى.

إن الارتباط ممكن بين الحركة والمثيرات المتبقية من حركة سابقة نتيجة للارتباط الزمني الشديد ما بين الحركات المتتابعة، ولذلك فإن المثيرات الناتجة عن الحركة تعتبر مثيرات تكون الحركة مسؤولة عنها مباشرة، فما يقوم به الإنسان من عمل يكون بطيعة الحال هو المحدد الرئيسي لما سيقوم به مستقبلًا؛ لأن ما يفعله الآن يشكل الجزء الأكبر من المثيرات التي ستؤثر على عضلاته.

إن أهمية المثيرات الناتجة عن الحركة تكون أكثر وضوحًا في حالة السلوك المعقد، وفي بيئة تعتبر أقل تعقيدًا، وبعبارة أخرى إذا لم يمر الموقف الخارجي بتغييرات كثيرة ولكن حدث في ذلك الموقف سلسلة من الحركات المتكاملة، فإن النظرية التي تعتمد بصورة كاملة على الارتباطات بين المثيرات والاستجابات كأساس للسلوك تتطلب مصدرًا من الإشارات الإضافية للسلوك، وإذا كانت كل استجابة تنتج المثير الذي يهيئ الجو للاستجابة التالية، فإنه يمكن الحفاظ على العمل السلوكي في غياب تفسيرات المثيرات الخارجية الواضحة.

ويقول كل من هيلجارد وبوير إن مثل هذه المثيرات الناتجة عن حركة خفية تقدم تفسيرًا دائمًا للسلوك، والذي لا يمكن أن يستدل عليه من العلاقة الخارجية للمثير والاستجابة. إن مفهوم أو مبدأ المثير الناتج عن الاستجابة يشكل الأساس الحالي لعملية تحليل التسلسل.

 

ثالثًا- التعليم عملية كل شيء أو لا شيء:

في زمن جثري أدخل المنظرون آليات في مبادئ التعلم ليفسروا بها التدرج الحاصل في عملية التعلم، في حين يرى جثري بأن التعلم يحدث كله في مرة واحدة، ولا يوجد في مبدأ الترابط لديه مكانًا لتقوية تدريجية لعلاقة المثير – الحركة، فإذا حدث مثير واستجابة معًا يتكون ارتباط بينهما فورًا وهذا ما يطلق عليه مبدأ تعلم الكل أو لا شيء.

وتبدو وجهة النظر هذه متعارضة مع طبيعة التعلم الواضحة، حيث من النادر أن أي نمط من الأنماط السلوكية يمكن تعلمه كله في مرة واحدة، فالتدريب والممارسة تؤدي في أغلب الحالات إلى الإتقان.

وبالرغم من أن هناك حالات من التعلم تتناسب مع نموذج الكل أو لا شيء، إلا أن التحسن التدريجي في الأداء عبر محاولات كثيرة يكون في الغالب المجرى الأكثر شيوعًا في السلوك في تعلم المهمات، إن نظرية جثري تعالج حاليًا أثر التدريب أو الممارسة بصورة جيدة وخاصة في حالة السلوكيات المعقدة. هنالك نتيجة طبيعية لمبدأ جثري الأساسي في التعلم وهو مبدأ الجدة أو الحداثة، وقد سمِّي فيما بعد مبدأ آخر فعل، وأساس هذا المبدأ هو أن الارتباط الأخير والأكثر حداثة ما بين المثير والاستجابة هو الذي يحتفظ به. وإن أحسن متنبئ وبدقة عن أي استجابة سوف تحدث بالنسبة لمثير ما؛ هي الاستجابة الأخيرة التي حدثت في وجود المثير. وإذا كان هناك شيء ما يحث العضوية لعمل استجابة مختلفة عن التي ارتبطت مرة من قبل مع المثير، فإن الاستجابة الجديدة تأخذ مكان الاستجابة السابقة، كذلك فإن هذا المبدأ مهم أيضًا في فهم عملية الكف والنسيان.

 

رابعًا- انطفاء الاستجابة يعني تشكيل ارتباط جديد:

مبدأ جثري في الارتباط يفسر تشكيل العلاقة ما بين المثير والاستجابة ولكن كيف لا يحدث تعلم الاستجابات أو كيف تنطفئ في هذا النظام؟

إن أي عادة متعلمة يمكن أن يقضى عليها بتشكيل رابطة جديدة بين المثير والاستجابة تحتوي على مثير الارتباط السابق واستجابة مختلفة، ويجب أن تكون الاستجابة نفسها متعارضة مع الاستجابة السابقة لتمنعها من الحدوث عند وجود المثير، وتشبه هذه الحالة في بساطتها حالة معارضة بين حركات العضلات مثلًا، فالطفل لا يستطيع أن يبكي ويبتلع الطعام في آنٍ واحد بسبب العضلات المتعارضة المتداخلة في العملية معًا؛ ولذلك فإن أي ارتباط ما بين المثير والبكاء يفترض أنه سيكف بواسطة الارتباط ما بين المثير والأكل.

إن تحليل الكف والانطفاء ينطبق على ظاهرة النسيان بصورة جيدة فمع مرور الزمن تحدث استجابات جديدة في حضور المثيرات التي ستكف الاستجابات القديمة؛ ولذلك فإن عدم القدرة على تذكر حدث معين أو شخص معين يمكن أن يرجع إلى الأحداث الأكثر حداثة التي حدثت في عمليات الارتباط عند الفرد. وعبارة الكف الرجعي قد استخدمت لوصف مثل هذا الشكل من النسيان.

إن وجهة نظر جثري الرئيسية عن الانطفاء والنسيان هي نفسها مفهومه عن الاستجابة الكفية، حيث أن حدوث رابطة ما وعندما تترسخ أو تتوطد مع المثير فلا يمكن أن تضعف إلا إذا تدخلت استجابة بديلة للمثير مع الاستجابة الأصلية.

والاستجابة الجديدة يمكن اكتسابها من إحدى الطرق الأربعة:

·     في الحالة الأولى فإن المثير قد يكون تحت عتبة الإدراك، وبالتالي لا يثير الاستجابة.

·     وفي الحالة الثانية قد لا تحدث الاستجابة بسبب التعب.

·     في الحالة الثالثة قد تحدث استجابات تتنافس مباشرة مع الاستجابات الأصلية.

·     وفي الحالة الرابعة قد يقدم المثير خلال مرحلة عدم الاستجابة.

 

خامسًا- المكافآت أو التعزيز ليست ضرورية للتعلم:

عندما كان جثري يقوم بوضع مبدأ الارتباط بالاقتران في صورة رسمية كان قانون الأثر لثورندايك يتمتع بتأثير مهم على الطلبة المهتمين بموضوع التعلم، حيث أكد ثورندايك على الرابطة بين المثير والاستجابة بأنها تقوى إذا أحدثت الاستجابة حالة من الإشباع والرضا. ومن وجهة نظر "سكنر" فإن مفهوم التعزيز قد طُبّق على الحوادث التي تقوي بعض أنواع السلوك، وقد أعاد "هيل" أيضًا التأكيد على قانون الأثر في نظريته تشكيل قوة العادة، وقد تأثر علم نفس التعلم خلال عشرات السنين بمفاهيم التعزيز كما صاغها هؤلاء المنظرين الثلاثة.

أما جثري فعلى العكس من ذلك حيث أكد طوال حياته العلمية بأن التعلم هو في حدث ذاته عملية أبسط من ذلك، ولا يتطلب التعزيز لتشكيل الروابط بين المثير والاستجابة، وأن الاقتران الزمني يكفي، ولكن ماذا عن البراهين المختبرية التي أجراها منظرو الأثر عن التأثيرات القوية للمكافآت على القطط في صناديق الألغاز، وعلى الفئران في صناديق الإشراط الإجرائي؟ فالفأر الجائع الذي يجد الطعام في الصندوق سوف يجري بسرعة أكبر للحصول على الطعام، وسوف يتوقف عن الجري بالتدريج إذا أُبعد عنه الطعام، فإذا كان تقديم الطعام لا يعمل كمقوٍّ وسعيه لا يعمل كمضعف لحركة الجري في هذا الموقف، فكيف لنا أن نفسر هذه الآثار القوية؟

إن الحل من وجهة نظر جثري كان على أساس المثيرات المسيطرة على عملية الجري، أو أي استجابة أخرى من فئة الاستجابات الأدائية، وهو يؤكد بأن الاستجابة الأكثر حداثة التي حدثت بوجود مثير ما هي الاستجابة التي تبقى كجزء من الارتباط، وفي حالة الفأر الذي يجري في الممر فإن إشارات الممر تصبح مرتبطة بالاستجابات الحركية؛ لأنها تكون آخر الحركات التي حدثت قبل الوصول إلى الصندوق، والطعام يعمل على التغيير المفاجئ للمثيرات الخارجية التي تصطدم بالحيوانات في نهاية سياق الممر. ولذلك يعمل على حفظ أو إبقاء أي ارتباطات سابقة، وفي هذه الحالة فإن الارتباطات الأكثر دلالة هي الجري في الممر والذي يتشكل بالضبط قبل الوصول على الهدف؛ ولذلك فإن الطعام في حد ذاته ليس هدفًا خاصًا يعمل على تقوية السلوك فهو مجرد تغيير درامي في عالم الحيوانات يتبع مباشرة حدوث الاستجابة، وبذلك يمنع فك الارتباط الذي شُكّل من قبل.

 

سادسًا- الدافعية ببساطة هي إثارة داخلية مستمرة:

إن دافعية العضوية الجوع أو العطش أو حالات الراحة والانزعاج ليس لها مكان أساسي في نظرية جثري للتعلم، فحالة الدافعية مهمة فقط لأنها تحدد وجود وقوة الحركات التي تدخل في علاقة الارتباط، فالدافع مهم فقط لسلسلة المثيرات والاستجابات التي تحدث وخاصة سلسلة الاستجابات الكاملة مثل الأكل والشرب والتزاوج وغيرها، والحركات التي تحدث ترتبط بالإشارات المتزامنة، فإذا تصرف قط جائع بطريقة تختلف عن قط مغذى فإن حركاته ستختلف، وبالتالي سيكون تعلمه مختلف، فهو يتعلم ما يقوم به، وهو يعتبر أكثر أهمية مما تكون عليه حالة الدافعية لديه، والدوافع مهمة في أنها توفر المحافظة على المثيرات والإبقاء على العضوية نشطة حتى الوصول إلى الهدف، والهدف يزيل هذه المثيرات ويصل بالنشاط إلى النهاية.

سابعًا- المهم في العقاب هو السلوكيات التي يثيرها:

في الوقت الذي ظهرت فيه أفكار جثري الأولى لم يكن علماء النفس على وضوح فيما يتعلق بطبيعة العقاب وأثره، فكان رأي ثورندايك بأن العقاب يضعف الرابطة بين المثير والاستجابة بطريقة مغايرة للطريقة التي يقويها التعزيز. وفي سنة 1939م غيّر رأيه ولخصه بأن العقاب لا يعمل مباشرة على إضعاف الرابطة بين المثير والاستجابة التي تسبقهما، وكان ذلك مبنيًا على تجاربه الخاصة، فمثلًا قولنا لشخص ما، هذا خطأ بعد بعض الارتباطات اللفظية لم يكن لها أثر واضح في إضعاف استجاباته،  وقد تبعه عدد من المنظرين، وقد برهن جثري بأنه ليس ما يفعله العقاب لإضعاف السلوك السابق الذي يجب تفسير، ولكن السلوك الذي يسببه العقاب، فإذا استخدمنا الصفعة كعقاب بعد سلوك سيئ فإن فعاليته في وقف أو إزالة السلوك تتوقف على أمرين:

1- يجب أن يسبب العقاب سلوك متعارض مع السلوك المعاقب.

2- أن السلوك المتعارض يجب أن يحدث في مجال السلوك الأصلي؛ لكي يرتبط مع الإشارات، وبالتالي يتداخل مع الاستجابة المعاقبة.

إذن فمن حيث الفعالية فإن العقاب يعتبر عملية تتداخل فيها الارتباطات الجديدة مع الارتباطات المعاقبة والتي تتشكل في وضع ما بحيث تسمح للعضوية بأن تتجنب العقاب.

وقد ضرب جثري مثالًا على مبدأ العقاب بأم تناقش طفلها الذي يجري في الشارع، وهو يقترح بأن تضرب الأم طفلها على وجهه؛  لكي تسبب حركة بعيدة عن منعطف الطريق بدلًا من أن تضربه من الخلف والتي تسبب حركة أو دفعه للأمام وقد كانت نتائج التجارب مشجعة لتحليل جثري، ويعتبر العقاب شكلًا من أشكال تغيير السلوك وكثيرًا ما يكون له نفس قوة المعزز؛ ولذلك فإنه يبدو أن إتباع الاستجابة بعقاب يكون فعالًا بنفس درجة إتباعه بمكافأة في الحفاظ على ارتباطات المثير والاستجابة السابقة.

 

ثامنًا- الانتباه  يتضمن استجابة نشطة في العضوية:

راجع جثري مفهومه للمثير فهو يعترف بالدور الفعال الذي تلعبه العضوية في اختيار المثيرات المتاحة، وكما يقول جثري: إن ما يجري ملاحظته يصبح إشارة لما يجري عمله، إضافة إلى ذلك فإن عملية ملاحظة مظهر ممن مظاهر البيئة عندما يرتبط زمنيًا مع أي سلوك حادث؛ فإن الانتباه يصبح النقطة التي يحدث عندها التعلم، وبعبارة أخرى لكي يتم اقتران المثير بالاستجابة، وبالتالي يتم ارتباطهما، فإن استجابة العضوية في اختيار المثير تكون شرطًا أو متطلبًا أساسيًا.

·       موقف جثري من بعض مشاكل التعلم: (عبدالهادي، 2007)

1- الكفاءة:

إن جثري لا يعالج مشاكل الكفاءة بصورة رسمية بالرغم من أنه يعترف بوجود فروق بين أنواع المخلوقات، وبالرغم من اعترافه بقيمة النضوج بوصفه محددًا لعدد من صنوف الأعمال، إنه يفترض أن أية استجابة تستطيع العضوية أن تقوم بها، وبالتالي تستطيع أن ترتبط بأي مثير تستشعر به العضوية، ولو أحب إنسان أن يلح في استقراء نظام جثري لوجد أساسًا للفروق في الكفاءة فيما يخص تفريق الحركة وتمييز خواص الإشارات المنبهة، وعلى كل فليست الحيوانات متساوية في أجهزتها المستقبلية وسرعة عملها.

 

2- التدريب:

التدريب يمثل الإشارات المنبهة (التلميحات) إلى حركات محددة حتى تأتي عائلة كاملة من الاستجابات، والتي تعود إلى المخرجات، والتي وصفت اجتماعيًا بأنها أداء ناجح؛ لأن المهارة تمثل مجتمع من العادات فيظهر التعلم ليتراكم بالإعادة.

 

3- الإثارة (الدافعية):

تؤثر الإثارة في التعلم بصورة غير مباشرة وذلك عن طريق ما تدفع الحيوان إلى عمله، والثواب أمر ثانوي بخلاف ما هو عليه الحال عند ثورندايك حيث يعتبره أمرًا أوليًا فهو يقول إنه يؤثر لأنه يبعد الحيوان عن الوضع المثير الذي تم فيه حصول الاستجابة الصحيحة. إنه لا يقوي الاستجابة الصحيحة ولكنه يحول دون إضعافها، وذلك أنه ما من استجابة جديدة يمكنها أن ترتبط بالإشارات المنبهة التي كانت قد قادت إلى الاستجابة الصحيحة، وهكذا يكون ثمة تقوية بسبب استبعاد الاستجابة للإشارات المنبهة الأخرى، أما العقاب فيقوم بأمور عدة دفعة واحدة، وبصورة عامة فإن تأثيره في التعلم محدود مما يدفع العضوية على عمله، ونستطيع في هذا الصدد تمييز أربع حالات من العقاب:

1-    العقاب الخفيف يمكن أن يكون مثيرًا فقط للسلوك الجاري دون أن يقطعه.

2-    العقاب الأقوى يمكن أن يبطل العادة السابقة عن طريق تأديته إلى سلوك مضاد؛ وذلك بحضور الإشارة المنبهة للعادة السابقة.

3-    العقاب المستمر يفعل فعل الدافع وينتج مثيرات مقوية تبقي العضوية فاعلة إلى أن تجد متنفسًا لها، وحينئذٍ تكون النتائج بالنسبة للتعلم شبيهة بنتائج الثواب، حيث أن الفعل الذي يقود إلى الأمان مثيب؛ وذلك لأنه يوقف العقاب وهو بإزالة المثيرات المقوية يحول دون عدم تعلم الفاعليات التي تجري بوجود هذه المثيرات.

4-    إن المثيرات التي كانت قد رافقت العقاب تنتج سلوكًا كان قد حدث أثر العقاب نفسه، وفي هذا مثال على الاستجابة التوقعية للسلوك التجنبي، إن الإشارات المنبهة للتجنب يجب أن تكون حاضرة وقت العقاب إذا أردنا حصول التوقع.

 

4- الفهم:

يسخر جثري من مفهوم (التبصُّر) بالرغم من قبوله بأن التعلم المقرون بالتنبؤ عن نتائجه يمكن أن يحدث. ويميل جثري إلى إنكار التعلم بالتبصُّر شأنه في هذا شأن ثورندايك، كما يميل إلى إبراز أهمية الطبيعة الآلية والتكرارية لمعظم التعلم الإنساني والحيواني، وهو يفسر التعلم المقرون بالتنبؤ على أساس من الاستجابات المشروطة التوقعية القائمة على الخبرة السابقة، وبالتالي غير المنافية لمبادئ الترابط.

 

5- الانتقال:

ينتقل التعلم إلى أوضاع ومواقف جديدة بسبب وجود عدد من العناصر المشاركة بين الجديد والقديم، وفي هذا يبدو موقف جثري مشابهًا لموقف ثورندايك، ولكنه مع ذلك يعزو الأهمية إلى المثيرات الناتجة عن الحركات، وهذه هي إضافة جثري على نظرية ثورندايك في هذا الصدد. وبسبب مبدئه عن الاستجابات التي تصبح مشروطة لكل المثيرات العارضة المترابطة فإن جثري لا يتوقع إلا قليلًا من الانتقال، وفي رأيه أن الطريق الوحيد للوصول إلى السلوك المرغوب فيه في وضع جديد هو التدرب على هذا الوضع الجديد، وما عليك لكي تستطيع العمل في مواقف وأوضاع مختلفة إلا أن تتدرب على العمل في هذه الأوضاع والمواقف المتنوعة.

 

6- النسيان:

يربط جثري بين عملية المنع التجريبي وبين النسيان؛ ذلك لأن النسيان في رأيه إخفاق المثير في إحداث استجابة الشرطية، فهو كالمنع أو لإعاقة الشرطية، والفرق بينهما هو أن الإعاقة الشرطية عملية مقصودة لذاتها، بينما النسيان أو الإخفاق في التذكر يعزى إلى مرور الزمن على الرباط الشرطي، والفرق إذن فرق في انتباه الملاحظ وليس فرقًا جوهريًا في الظاهرة نفسها، ويعزي جثري السبب في النسيان إلى تدخل استجابات جديدة تؤدي إلى ارتباط المثير القديم بالاستجابة الجديدة؛ ولذلك كانت الخبرات التي يتعلمها الفرد ويعقبها النوم أو الراحة أطول عمر في التذكر من المنبهات التي تربط باستجابات يعقبها نشاط وعمل، وقد وجد جثري أنه إذا حفظ الفرد شيئًا ثم أعقب الحفظ نوم بقدر الإمكان؛ كان مقدار النسيان للعادة المحفوظة تعادل نصف النسيان إذا صحب الحفظ فترة يقظة وعمل مستمر؛ ولهذا يلاحظ ان الأطفال يتذكرون القصص التي تقال لهم قبل النوم، بينما لا يتذكرون تمامًا قصة قيلت لهم أثناء النهار؛ فالسبب في النسيان إذن هو تدخل استجابات جديدة في الارتباطات الشرطية القديمة.

 

·       تعديل العادات وإطفاؤها: (حسانين، 2012)

إن أهم ما اشتهر به جثري في المجال التطبيقي تمكنه من إيجاد طرائق ناجعة في محاربة العادات السيئة. تقوم هذه الطرائق على اكتشاف المثيرات التي تستدعي الاستجابة غير السوية، ثم إيجاد طريقة لجعل استجابة أخرى سوية تصدر حين تظهر هذه المثيرات، مما يساعد على حدوث الاستجابة الجديدة في المرة القادمة التي تنشط فيها هذه المثيرات.

استطاع جثري إيجاد ثلاث طرائق لتغيير العادات السلوكية غير السوية، أو ما أطلق عليه بكسر العادات (The Breaking of Habits)، وهذه الطرائق هي:

الطريقة الأولى: يمكن تسميتها بطريقة العتبة، وتتضمن تقديم المثيرات المراد حذفها أو إهمالها تدريجيًا بدرجة طفيفة مما يؤدي إلى عدم حدوث الاستجابة غير المرغوبة، ويقال في هذه الحالة أن المثير أصبح تحت مستوى العتبة اللازمة للاستجابة، أي أن المثيرات في هذه الحالة بدت تتناقص قوتها تدريجيًا لدرجة عدم قدرتها على استدعاء الاستجابة بعد ذلك، وأخيرًا يمكن تقديم المثيرات في قوتها العادية بدون أن تنشئ الاستجابة غير المرغوبة طالما أمكن تكوين استجابة أخرى في حضور هذه المثيرات، وتصلح هذه الطريقة في تعديل الاستجابات غير السوية، وخاصة الاستجابات الانفعالية، مثل استجابات الغضب والخوف وما إلى ذلك.

الطريقة الثانية: يمكن تسميتها بطريقة التعب، وفي هذه الطريقة تعد الإجراءات التجريبية في الموقف السلوكي، بحيث يمكن العمل على استدعاء الاستجابة غير المرغوبة والمطلوب حذفها من السلوك عدة مرات بصفة مستمرة حتى يحدث التعب لدى الفرد، ويكف عن إصدار هذه الاستجابة والتحول إلى استجابة أخرى، إذا لم يتوقف كليةً عن السلوك.

الطريقة الثالثة: تسمى بطريقة المثيرات غير المتكافئة، حيث تقدم مثيرات الاستجابة غير المرغوبة من المثيرات الجديدة؛ لتكوين استجابة أخرى مختلفة وغير متكافئة مع الاستجابة غير المرغوبة والمراد حذفها من السلوك، وفي هذه الحالة ترتبط المثيرات الأصلية بالاستجابات الجديدة المطلوب إحلالها محل الاستجابات غير المرغوبة، أي يحدث انفصال للاستجابات غير المرغوبة عن مثيراتها الأصلية.

·       التطبيقات التربوية للتعلم بالاقتران: (العسكري وآخرون، 2012)

1-    التعلم بالاقتران يحدث مباشرة بين المثير والاستجابة أي أن الارتباط يحدث فوريًا بين أحداث جسمية وحركية وعلى ذلك فإن التعلم الجيد هو ما يحدث عن طريق النشاط الذاتي للفرد أثناء العملية التعليمية وخصوصًا الجانب العلمي منها لذلك فإنه من الأفضل استخدام الوسائل التعليمية المعينة في عملية التدريس.

2-    تساهم عملية الكف الاعتباطي مساهمة فعالة في تعديل سلوك بعض الأطفال الذين يطلبون استمرار الرضاعة بعد عامهم الثاني أو خوفهم من الأماكن المظلمة إلى غير ذلك من أساليب السلوك غير السوي.

3-    مبدأ التعلم بالعمل: الذي يؤكد على الأفعال أو الأعمال التي يمارسها الفرد في الموقف التعليمي، وأثر ذلك على تعلم بعض المهارات وأنماط السلوك، وعليه فقد استفاد المتخصصين من علماء التربية في المناهج وطرائق التدريس من هذا المبدأ أو أقاموا عليه منهج النشاط أو مناهج التدريس التي تدرس في مراحل العمر المبكرة، وأهم ما يتميز به النشاط هو:

أ- أن هذا المنهج يعتمد أساسًا على مبدأ التعلم بالعمل الذي يحقق للتلاميذ تعليمًا نًشطًا نتيجة لتناول الأشياء والتعبير عنها في صورة أعمال وخاصة لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية.

ب- إن منهج النشاط يحقق التعليم الوظيفي للتلاميذ الذي يوثق الصلة بين خبرات المدرسة والمجتمع الخارجي الذي يعيشون فيه.

ج- إن هذا المنهج يحقق الكثير من أهداف التربية في تعديل سلوك التلاميذ الذي يتم عن طريق ممارسة الانشطة المختلفة.

د- أن التعلم القائم على النشاط يحقق للعملية التربوية في تعديل من اكتساب للمعلومات والمعارف والخبرات وممارستها الحياة الواقعية للتلاميذ.

4-    عملية تغيير وتعديل العادات السلوكية من النتائج التطبيقية الأخرى للنظرية، وقد أشار جثري إلى عدة طرق مختلفة لتغيير العادات غير المرغوبة واستبدالها بعادات أخرى جيدة والمبدأ الأساسي الذي تقوم عليه هذه العملية هو مبدأ الاقتران بين المثيرات والأفعال.

 

·       نقد نظرية جثري: (حسانين، 2012)، (العسكري وآخرون، 2012)

1-    يرى جثري في مبدأ الاقتران مبدأً جامعًا شاملًا يفسر بالاعتماد عليه سائر أنماط السلوك. ولكن الإنسان في مواقف التعلم يقوم بإصدار عدد غير قليل من الاستجابات في كل موقف، فأي الاستجابات ستقترن بالموقف المثير، وستميل أكثر من سواها إلى الحدوث إذا ما تكرر الموقف ذاته في المستقبل؟! إن الإجابة الوحيدة التي سيقدمها جثري لهذا السؤال هي: الاستجابة الأخيرة هي التي ستتكرر. وهذا ما ليس صحيح دائمًا.

2-    نفى جثري أهمية التكرار في التعلم، وعدم الحاجة إليه إطلاقًا عندما يقتصر التعلم على مجرد حدث أو حركة واحدة في الموقف السلوكي من ناحية، ومن ناحية أخرى إلى تأكيده في الوقت نفسه على ضرورة التكرار كشرط لا بد منه في تكوين العادات وتكاملها، نظرًا لأن العادات تركيبات معقدة من أنماط ثابتة نسبيًا من الحركات، مما يتطلب تكوين قدر كبير من الارتباطات الشرطية. إن هذا الموقف من مسألة التكرار أصبح نقطة ضعف مميزة في نظرية جثري، مما حد من إمكان الاستفادة منها في مواقف التعلم المدرسية؛ لأن الاستفادة منها عمليًا يقتضي تكرار المواقف التعليمية وفق الصورة نفسها التي حدثت بها في المرة الأولى، وهذا أمر لا يمكن تحقيقه أبدًا.

3-    كما أن نظرية جثري لا تمثل المعنى المعروف للنظرية، وإنما تمثل مجموعة من الآراء التي تحاول أن تشرح بعض المواقف التعليمية بدون استخدام المنهج التجريبي الدقيق.

4-    مازالت هذه النظرية عاجزة عن فهم وتفسير السلوك الإنساني الراقي والمعقد.

5-    لم يدرس جثري موضوع الحوافز والدوافع دراسة جادة، واكتفى بأن مر عليها سطحيًا، واعتبر الحوافز والدافعية مبدأ ثانويًا مساعدًا، فالحافز في رأي جثري لا يقوي الارتباط، وإنما يحفظه فقط من الضعف؛ ذلك لأنه يرى أن الربط العصبي يتكون بأقصى صور له بمجرد ارتباط المثير والاستجابة.

6-    التمسك بقانون وحيد مسؤول عن التعلم وهو قانون الاقتران، وجمع كل شروط وقوانين التعلم فيه، وهو بهذه الحالة فتح الكثير من الثغرات عليه كان يجب عليه أن يفسرها على ضوء هذا المبدأ، مثلًا كان عليه أن يفسر قوانين التعلم التي ترتبط بالزيادة التدريجية في قوة المادة المتعلمة نتيجة التكرار، والدور الذي يقوم به التعزيز في مواقف التعلم وغير ذلك من الموضوعات التي تناولتها نظريته.

7-    المغالاة في تبسيط عملية التعلم، حيث إن جثري يرى أن التعلم التام يحدث في خبرة واحدة، أي تعلم شيء معين قد يشتمل على تعلم عديد من الاستجابات المحدودة.

8-    القصور في تعريفه الكامل والدقيق للكثير من المصطلحات التي بنى عليها نظريته؛ فقد اعتمد إلى حد كبير على الوصف وتجنب أي صياغة للظواهر التي يدرسها.

 

·         الخلاصة: (حجاج، 1986)

كانت نظرية جثري في التعلم محاولة لاختزال التعلم كله في مبدأ واحد هو الترابط، ولا يلعب التعزيز أي دور في التشكيل الفعلي للرابطة، وزيادة على ذلك فإن التعلم مسألة ينطبق عليها مبدأ الكل أو لا شيء والرابطة تتكون تلقائيًا (في نفس الوقت) عند تزاوج المثير والاستجابة.

وفي معظم الأحوال كان جثري يساوي بين المثيرات والتغيرات في البيئة المادية، وفي عمله الختامي اعترف بدور استجابات الانتباه في تحديد المثير الفعال بالنسبة للكائن الحي، ومفهومه للاستجابة كان دائمًا ضمن إطار الحركات الفعلية، أو الإفرازات الغدية، وهي وجهة نظر جزئية نوعًا ما أكثر مما هي الحال في معظم نظريات التعلم، ولما كان الموقف الواحد يحتوي على عدد هائل من المثيرات الممكنة، ولما كان الكائن قادرًا على إعطاء عدد كبير من الاستجابات؛ فإن تنمية العمل الماهر قد يتطلب عددًا كبيرًا من المحاولات، رغم أن تكوين رابطة مثير واستجابة واحدة هو حدث يتم في محاولة واحدة، وهذا يفسر آثار المران المعتادة التي تلاحظ في التعلم.

والحدث الختامي في أي سلسلة من الاستجابات، وهو هدف للمعزز في صورته النمطية تغير مفاجئ في المثير، وأثر التغير في ظروف المثير هو الحفاظ، أو الإبقاء على أي ارتباط سابق بين المثير والاستجابة، فإذا أزيلت الإشارات الأولى فلا توجد هناك فرصة لتشكيل رابطة جديدة.

وإلغاء أو انطفاء أي رابطة هو ببساطة ربط استجابة جديدة وكفية بمثير، وبالمثل فإن النسيان هو تشكيل رابطة جديدة تكف الارتباطات السابقة، وهكذا فالتعلم عملية مستمرة فيها تتشكل روابط جديدة باستمرار، يمكن لبعضها أن يصبح جزءًا من مهارة أو عمل معقد، ويمكن لبعضها الآخر أن يتدخل في الارتباطات السابقة.

وثمت مصدران داخليان من مصادر المثيرات يمكن أن تدخل في الارتباطات، وتسهل تكامل سلسلة الاستجابات، فالحركات نفسها تولد مثيرات قد تصبح مرتبطة بحركات أخرى في سلسلة استجابات، والحفاظ على المثيرات هو ما يساوي الدوافع في النظريات الأخرى، فهي تقدم مصدرًا مستمرًا للإشارات الداخلية المرتبطة بالاستجابات التي تحدث في حضورها، والعقاب هو مصدر من مصادر الحفاظ على المثيرات، والهرب يزيل هذه الإشارات بإزالة المعاقب، والاستجابة القائمة على الهرب تعمل على كف الاستجابة المعاقبة، مما ينجم عنه قمع الاستجابة.

ورغم أن نظرية جثري تقف في موقف الممثل الأول لوجهة النظر الارتباطية في التعلم، إلا أنها فشلت في محاولتها أن تصبح وجهة نظر ذات أفق أوسع يمكِّنها من إحداث التكامل بين العدد الهائل من الظواهر في هذا الميدان.

 

 

 

 

·       المراجع:

 

·          العسكري، كفاح والشمري، محمد والعبيدي، علي (2012). نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية. ط1. دار تموز: دمشق.

·          حجاج، علي (1986). نظريات التعليم: دراسة مقارنة (كتاب مترجم). عالم المعرفة: الكويت.

·          حسانين، عواطف (2012). سيكولوجية التعلم (نظريات – عمليات معرفية – قدرات عقلية). ط1. المكتبة الأكاديمية: الجيزة.

·          الزغلول، عماد (2003). نظريات التعلم. دار الشروق: عمَّان.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق