الاثنين، 8 أغسطس 2016

شبهة أن القرآن غير صالح لكل زمان ومكان ..!





هناك أربع مسائل يجب تفنيدها لحل الإشكالية والشبهة التي تعتري القرآن الكريم ومدى صلاحيته على مر الأزمان ومختلف الأمكنة ..!
وتلك المسائل هي : أميَّة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلة صلاحية القرآن الكريم لكل زمان ومكان ، وكون نزوله في بيئة جاهلية ، وكيفية استيعابه للحركة الكونية جمعاء في كلمات وآيات محدودة ، مقارنة بما يعتري الموسوعات العالمية الضخمة من نقص وعجز في محتواها .
إن علة صلاحية القرآن الكريم في كل زمان ومكان ؛ مرد ذلك كون آياته تتضمن أموراً كلية وعامة وفلسفات وقواعد ونظريات التشريع ، كما أن أكثر هذه الآيات ظني الدلالة ، تحتمل أكثر من تفسير ، كما أنها تقبل أكثر من رأي . ( القرضاوي ، 1993 ) .
ولهذا فإن القرآن الكريم يتسم بسعته ومرونته وخصوبته وخصائصه الذاتية ، مما جعله يحقق المعالجة لوقائع ومشكلات متجددة على مر الأزمان ، وفي بيئات اجتماعية وحضارية متعددة .
ونجد القرآن الكريم قد فصَّل في بعض أحوال العبادات ؛ لأنها مما لا يتغير في الغالب ، مثل منظومة القيم والأخلاق ، والقواعد الشرعية التي تستنبط منها الأحكام التفصيلية ، والحدود المتعلقة بالحفاظ على المقاصد الكلية للشريعة ، وجعل تفصيل أحكام المعاملات لعلم الفقه ، الذي هو اجتهاد وقياس محكوم بثوابت الشريعة الإلهية ؛ ذلك حتى يظل فقه المعاملات متطوراً دائماً وأبداً عبر الزمان والمكان ؛ ليواكب تغير الواقع ومستجدات الأحداث ، في إطار كليات الشريعة وقواعدها ومبادئها التي تحفظ على أحكامها المتطورة إسلاميتها .
هذه " الصيغة الإسلامية " هي التي وازنت بين ثبات النص وتطور التفسير البشري للنص الإلهي الثابت ، وجمعت بين ثبات " الوضع الإلهى " وتطور " الاجتهاد الفقهي " . ( عمارة ، 1998 )
فكل ما جاء مبنياً على قواعد الدين فهو دين سواء نصَّ عليه الشارع نفسه ، أو استنبطه أهل الفكر والنظر الصحيح ، ونادى القرآن بألا تُكلَّف نفس إلا وسعها ، مما جعله أكثر الكتب ملاءمة للطباع والعادات والقوى البشرية على اختلافها . ( خورشيد ، 1970 )
وكثيراً  ما نبهت الآيات القرآنية على ضرورة استخدام الإنسان عقله وفكره وكل ما أنعم اللَّه تعالى عليه من حواس ؛ للتأمل والتبصر في صناعة اللَّه في خلقه ، كما أنها حثت الناس على التزود بالعلم وطلبه باستمرار ؛ لاكتشاف ما يتمثل من آيات القرآن الكريم ، ومع رقي الإنسان علماً وفكراً ومعرفةً أخذ يكتشف المزيد من المعارف التي تشع ومضاتها من آيات القرآن العظيم . ( المرزوقي ، 2010 )
وحول أمية النبي صلى الله عليه وسلم  يقول تعالى : } وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ المُبْطِلُون } [ العنكبوت : 48 ] ، فهذا استدلال بصفة الأمية المعروف بها الرسول صلى الله عليه وسلم ، واستدلال أيضاً على أن القرآن موحى إليه من الله ؛ حتَّى لا يرتاب الناس في نبوته ، وحتَّى لا تتكاثر لديهم أسباب الشَّك في صدق دعوته . ( ابن عاشور ، 1984 )
وإن من تتمة هذه الحكمة الإلهية أن تكون البيئة التي نزل فيها القرآن الكريم بيئة أمية جاهلية رعوية ، بالنسبة للأمم الأخرى التي من حولها ، فلم تكن أمة صناعية أو زراعية ، ولم يتطرق إليها شيء من الحضارات المجاورة ، ولم تتعقد مناهجها الفكرية بشيء من تلك الفلسفات التائهة من حولها ؛ ذلك أنَّه كان يُخشى من دخول الرِّيبة في صدور النَّاس إذا ما رأوا النبي متعلماً ، مطلعاً على الكتب القديمة وتاريخ الأمم البائدة ، وحضارات الدول المجاورة ، كذلك يُخشى من دخول هذه الرِّيبة في الصدور إذا ما ظهرت الدَّعوة الإسلامية بين أمة لها شأن في الحضارة والمدنية والفلسفة والتاريخ ، كدولة الفرس أو اليُونان أو الرُّومان ؛ إذ ربَّ مرتابٍ مبطل يزعُم أنَّها سلسلة التجارب الحضارية والأفكار الفلسفية أبدعت أخيراً هذه الحضارة الفذة والتشريع المتكامل ؛ فكل ذلك دل على أن الهدف الأسمى أن تكون أمة دعوية ؛ لأنَّ العالم يحتاج إلى الهُدى ؛ لذلك كانت المهمة الأولى والتاريخية لهذه الأمة هي مهمة الدعوة ، كما أن شبه الجزيرة العربية ظلت وكأنها واحة حصينة آمنة من الغزو ، إلاَّ في بعض أطرافها ، آمنة من انتشارِ الدَّعوة الدينية ، مسيحية كانت أو مجوسيَّة ، إلا في قليل من قبائلها ، فكانت طبائعهم أشبه ما تكون بالمادة الخام ، التي لم تنصهر بعد في أي بوتقة مُحوَّلة ، فكانت تتراءى فيها الفطرة الإنسانيَّة السليمة ، والنَّزعة القوية إلى الاتِّجاهات الإنسانية الحميدة ؛ كالوفاء والنجدة والكرم والإباء والعِفَّة ، إلا أنَّه كانت تعوزهم المعرفة التي تكشف لهم الطريق إلى كل ذلك .
ولقد أوضح القرآن الكريم هذه الحكمة بصريح العبارة حينما قال تعالى : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِين } [ الجمعة : 2 ] ، فلقد اقتضت إرادة الله عز وجل أن يكون رسوله أميّاً ، وأن يكون القوم الذين ظهر فيهم هذا الرسول أميين أيضاً في غالبيتهم العظمى ، حتى تكون معجزة النبوة والشريعة الإسلامية واضحة في الأذهان ، لا لبس بينها وبين الدعوات البشرية المختلفة .


المراجع

1-     القرضاوي ، يوسف ( 1993 ) . شريعة الإسلام صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان . ( ط 2 ) . القاهرة : دار الصحوة .
2-     عمارة ، محمد ( 1998 ) . هل الإسلام هو الحل ؟ . ( ط 2 ) . القاهرة : دار الشروق .
3-     خورشيد ، عبد الله ( 1970 ) . القرآن وعلومه في مصر ( ط 1 ) . مصر : دار المعارف .
4-     المرزوقي ، شيخة ( 2010 ) . أضواء : ولتعلمن نبأه بعد حين . قطر : جريدة الراية .
5-     ابن عاشور ، محمد الطاهر ( 1984 ) . تفسير التحرير والتنوير . تونس : الدار التونسية .

6-     البوطي ، محمد سعيد رمضان ( 1991 ) . فقه السيرة النبوية . ( ط 10 ) . بيروت : دار الفكر المعاصر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق