الخميس، 25 مايو 2017

إدارة الوقت في الفكر الإسلامي والفكر الحديث ..!




اهتم الإنسان منذ القدم بظاهرة الوقت وأهمية استغلاله، وقد بدا ذلك جلياً في تنظيم نسق الحياة مع فصول السنة والتنظيم الاجتماعي التابع له، كالمناسبات، ومواقيت الزواج، والاحتفالات، وشؤون العبادة، وما إلى ذلك. وقد قدم العديد من الباحثين خلاصات مفيدة في هذا المجال نورد منها ما يلي:
·     الوقت والمكان هما البعدان الرئيسيان للوجود، فالمكان هو البعد الذي توجد فيه الأشياء، وهو من المفاهيم الساكنة، والوقت (الزمن) هو البعد الذي تتغير فيه الأشياء، وهو من المفاهيم الديناميكية المتحركة، والتي لا غنى عنها في دراسات التغيير والنمو والتطور. (معايعة، 1991)
·     ولقد جاء الاهتمام بالوقت من خلال ملاحظة الإنسان للظواهر الطبيعية التي تحدث بانتظام فاعتمده في تنظيم حياته، من هنا كان الوقت وما يزال موضوعاً حيوياً شغل الفكر الإنساني عامة، واهتمت به الأمم من قديم الزمان، وعملت على تحديد الضوابط الرياضية والفلكية؛  لما في ذلك من ارتباط وثيق بمصالحهم المعيشية وحاجاتهم الروحية. وقد سجل العلماء من قدماء البابليين والكلدانيين والرومان والمصريين وغيرهم نظرياتهم المختلفة ونتائج حساباتهم في نظم راسخة أطلقوا عليها (التقاويم)، وكانت أغلب البواعث لتلك المحاولات دينية ومعيشية في بداياتها، ثم وُظفت لأغراض الزراعة والسفر والتجارة والعرافة وغيرها من مجالات الحياة اليومية آنذاك.
·     والوقت جزء لا يتجزأ من الدين والثقافة، حيث كان الهندوس القدامى يعتقدون أن فكرة الوقت مرتبطة بالإيمان بالتناسخ، وأن الوقت يجري على شكل دورة زمنية متكررة أو على شكل نهر جار، أما اليونانيون فكانوا يعتقدون أن الوقت يجري بشكل دائري، ولا تزال بعض القبائل الأفريقية وحتى الآن تنظم وقتها عن طريق قوالب تاريخية محددة ومنفصلة، والتي جزؤها المركزي يكون عبارة عن حكاية لحدث بطولي. فعلماء النفس يرون أن الوقت مظهر من مظاهر الشعور، والفيزيائيون يرون أنه إحدى القوى الثلاث الرئيسية (الزمن، المسافة، الكتلة)، في حين يرى المعاصرون أن الوقت يسير في خط مستقيم. (إستراتيجية إدارة الوقت، 2017)
·     ويعتبر الوقت مورداً من الموارد المتاحة للأفراد في المجتمع، وأيضاً للمنظمات والمؤسسات الموجودة داخل المجتمع والتي يجب أن تستغله بكفاءة، فقد أصبح بُعداً مهماً لابد من استغلاله في الحاضر والتخطيط للاستفادة منه بشكل فعال في المستقبل، فعملية إدارة الوقت يعتبر أحد المعايير الأساسية التي يؤخذ في الاعتبار نحو تحديد نجاح وفاعلية الإداري بشكل عام، ولأن سوء استغلاله يؤثر سَلباً على المؤسسة ككل، وسيُولد لدى بعض العاملين سلبيات عديدة مثل سوء استغلال موارد المؤسسة البشرية والمادية وانتشار بعض العادات والظواهر السيئة في المؤسسة كظاهرة الكسل والتسيب والتغيب وعدم تحمل المسؤولية. (سلامة، 1988)
·     وللوقت أهمية كبيرة ومكانة بالغة في الحضارة العربية والإسلامية، فقد ذكر الوقت في القرآن الكريم، وأقسم رب العالمين بالوقت وأجزائه في مطالع سور الليل، والعصر، والضحى، والفجر، والصبح، قال تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ [التكوير: 17-18]، وقد ربطت العبادات عامة بأوقات معينة قال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ [البقرة: 197]، وهناك الكثير من الأحاديث النبوية  الشريفة الصحيحة، ومما قيل عن أهمية الوقت في التراث العربي: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك". ومن الأدلة على اهتمام المسلمين بالوقت أنه في زمن  بني العباس كان الناس يقولون: "إن العلوم ثلاثة: الفقه للأديان، والطب للأبدان، والنجوم للأزمان). وكما قال ابن مسعود t: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلى ولم يزد فيه عملي"، وفي التراث العربي قال أبو العلاء المعري: "ثلاثة ليس لها إياب: الوقت، والجمال، والشباب). (أبو شيخة, 1991)
·  وقد ذكر ابن قيم الجوزية ما نصه: " وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مَرّ السحاب، فما كان مِن وقت لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوبًا من حياته، وإن عاش فيه عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة واللهو والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه به النوم والبطَالة، فموت هذا خير من حياته"، وعلى ذلك فإن المعنى الذي يذهب إليه ابن القيم أن الوقت بالنسبة للإنسان عنصر هام إذا لم يكن محسوباً له بخير فهو محسوب عليه بشر. (ابن قيم الجوزية، 1402)
·     ويعد احترام الوقت أحد أهم معايير التمييز بين حضارات الأمم المختلفة، ففي المجتمعات المتقدمة صناعياً نجد اهتماماً أكثر لموضوع الوقت وإدارته واستغلاله وكيفية توزيعه؛ مما أكسبها القدرة على تحقيق التقدم بوقت قصير نسبياً بالمقارنة مع غيرها من الأمم، حيث يعني التقدم تحقيق الإنجازات في أقصر وقت ممكن وبتكاليف أقل.
فاليابان بعد أن خرجت مهزومة من الحرب العالمية الثانية عام 1945م، حاولت استغلال الوقت ورفعت شعار العمل في المصانع والشركات لمدة 24 ساعة متواصلة، وكانت النتيجة عام 1999م أن أصبحت اليابان من أقوى دول العالم تكنولوجياً وصناعياً وتقنياً، وغزت منتجاتها جميع أسواق العالم وحتى الولايات المتحدة، والأهم من كل ذلك هو أن فائض الميزانية ذلك العام بلغ حوالي 110 مليار ين ياباني وُزعت على دول العـــــالم الاخــــرى كمساعدات يابانية.
·     ودراسة إدارة الوقت لا تأتي من منطلق تغييره أو تطويره أو تعديله، بل من منطلق كيفية استغلاله بشكل فعال، وكذلك تقليل الوقت الضائع هدراً دون أية فائدة أو إنتاج، ذلك أن الوقت يعتبر من الموارد التي يجب أن يستفاد منها بأقصى درجة ممكنة، وصولاً لتحقيق الاقتصاد في الموارد البشرية والمادية، وبالتالي تحقــــيق التنمية الشاملة. (سلامة، 1988)
·     ولم يعد التطور والإنجاز الحضاري العالمي يقاس بعامل السرعة، ولكنه يقاس اليوم بعامل التسارع الذي أصبح كبيراً وأساسياً وتجاوز كل التوقعات، ويضعنا أمام ثورة معرفية عالمية مذهلة في العلوم والتقنيات والأساليب والمفاهيم، ومع هذا التسارع الحضاري الكبير تطرح تحديات في التغيير المستمر عند المجتمعات والمؤسسات والأفراد، وهذا ما يجعل التغيير مرتبطاً بالثقافة وتطوير المفاهيم ضمن عالم متقارب صغير ليس فيه انفصال أو حدود واضحة، وحيث تقنيات التواصل البشري قد أخذت مداها مع تطور الإنترنت والقنوات الفضائية والاتصالات، وفي هذه الظروف تبرز أهمية الدقة كأساس للعمل والإنتاجية والقيمة، وكمؤشر حضاري للعمل والإنجاز وسرعة التغيير، وتصبح إدارة الوقت هي إدارة الحياة والمستقبل، فالوقت هو ثروة الأمم ومعيار تنافسها، وحسن إدارة الوقت قضية حضارية وإنتاجية تحدد مدى تطور الأمم والشعوب؛ لأن الإنجاز يتعلق بالوقت، والشــعوب تتســــابق لتحقيق الإنجازات بكل طاقاتها.
·     وإدارة الوقت مفهوم علمي متداخل يتطلب إدارة الفعالية في استثمار الوقت، وهذا يتطلب إدارة صحيحة لوقت الفراغ والراحة والعطل الأسبوعية والعطل السنوية؛ لأن العمل لا يمكن أن يشمل الزمن كله، فالزمن محدود والأعمال كثيرة؛ وبالتالي يمكننا أن نحقق ما نريد ولكن ليس كل ما نريد. فمن يريد النجاح وتحقيق الذات يجب أن يحدد أهدافه وأولوياته ويوجه جهوده نحو تحقيق ذلك، ومن لا يدرس أولوياته ويحددها فإنه سيفقد النجاح وسيشتت الجهود. والزمن لا ينتظر المتوانين والضعفاء لأن المتنافسين كثر وكلهم ينشدون التفوق والنجاح، ويقول الزعيم البريطاني تشرشل: "إذا أردت أن تتطور فعليك أن تتغير، وإذا أردت أن تصل إلى أعلى درجات التطور فعليك أن تتغير باستمرار". وهذا يؤكد على أهمية التغير عبر الزمن وأن تسريع التغير هو مقياس حضاري للتطوير. (الصرن, 2000)
·     وفي القطاع الخاص يوجد تعقيد نوعي في الوظائف والفعاليات، وتعدد في التخصصات والأعمال، مع ما تتطلبه أعمال هذا القطاع من تعدد في المستويات العلمية والفنية والإدارية، الأمر الذي يجعل من الوقت بالنسبة إليه أكثر إلحاحاً وأهمية؛ لارتباطه ارتباطاً وثيقاً بالبعد الاقتصادي ومجالاته، وللارتفاع الكبير في التكاليف التشغيلية للشركات؛ مما يوجب على العاملين في القطاع الخاص وعلى اختلاف مستوياتهم ومهنهم وعلى رأسهم مديرى الإنتاج ومساعديهم، للتعامل مع الوقت بقدر كبير من الحرص والاهتمام، واستغلال كل جزء منه بكفاءة وفعالية؛ لتحقيق الإدارة التنافسية والتي هي فن تحقيق النتائج الباهرة، وهي أيضاً سر الوصول إلى الإنجازات الرائعة والارتقاء بالمشروعات والشركات إلى مستويات التفوق الباهر، وهي عملية مرتبطة بالوقت ومتلازمة بشكل كامل مع الزمن، فالوقت هو القرين الملازم لكل عمل إدارى بل ولكل هدف تسعى الشركة لتحقيقه.

المحور الأول- الوقت:
أولاً- مفهوم الوقت:
إن مفهوم الوقت يشوبه الكثير من الغموض والاضطراب؛ وذلك لأنه من المفاهيم التي تمس حياة كل فرد. وهذا يؤكد على عمق الدلالات التي يشير إليها هذا المفهوم باختلاف البيئات والثقافات والمنطلقات الفكرية؛ ولهذا تعددت مفاهيم الوقت من شخص لآخر لاعتماد تعريفه على النظرة التأملية والفلسفية، ثم الشعور به من خلال تأثيره على الفرد والمجتمع.
والوقت مقدار من الزمان قدِّر لأمر ما، وهو المادة التي صنعت منها الحياة، وهو أندر مورد يملكه الإنسان، وأغلى شيء ينفقه، وهو مقياس للإدارة والمحرك الأساسي للواقع العملي والإنتاجي، والفائدة منه تحقيق الإنجازات والنجاح.
ويعتبر الوقت كمية تقاس بالساعة أو أجزائها، يسير على شكل خط مستقيم إلى الأمام، ويتحرك بموجب نظام معين من الصعب التحكم فيه أو استرجـــــاعه، فهو يسير بسرعة ثابتة ومحددة دون توقف أو
زيادة أو نقصان.
ويعبر مفهوم الوقت عن وجود علاقة منطقية ترتبط بنشاط أو هدف معين، ويعبر عنه بصيغة الماضي أو الحاضر أو المستقبل. (آل فطيح، 2015)
بناء على ما سبق يتضح أن هناك علاقة بين عنصرين أساسيين هما الزمن وعمل يجب القيام به خلال هذا الزمن، بمعنى أنه إذا لم ينجز عمل خلال هذا الزمن المحدد أصبح هذا الزمن وقت فراغ لم يتم الاستفادة منه.
وهناك عدة مفاهيم للوقت تختلف بعضها عن بعض جوهرياً تبعاً لاختلاف الظواهر التي تشير إليها هذه المفاهيم، فالوقت في الظواهر المادية يختلف عنه في الظواهر البيولوجية، ووفقاَ لتصنيف ظواهر الكون هناك خمسة مفاهيم مختلفة للوقت هي: (معايعة، 1991)
1- الوقت المادي الميكانيكي: ويعني مقياس لحركة جسم مادي بالنسبة لجسم مادي آخر. والوقت بهذا المفهوم يوصف بأنه متصل وقابل للتقسيم إلى وحدات صغيرة جداً وينساب بشكل منظم، وهو مقياس كمي محض خالٍ من أية صفات نوعية، ووحداته متعددة كالثانية والدقيقة والساعة واليوم والشهر والسنة والعقد والقرن وغيرها، ومثال ذلك: وقت دوران الأرض حول الشمس.
2-   الوقت البيولوجي: وهو الوقت الذي يقيس تطور الظواهر ونموها، وساعته هي الجسم نفسه، ويبدأ بالخلية ثم عالم النبات وينتهي بعالم الحيوان.
3-   الوقت الاجتماعي: وهو الوقت الذي معاييره الأحداث الاجتماعية الهامة كهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم أو ميلاد النبي عيسى عليه السلام أو نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1916م أو الحرب العالمية الثانية عام 1939م، وغيرها من الأحداث الهامة  والتي تختلف من مجتمع إلى آخر.
4- الوقت النفسي: وهو شكل من أشكال الشعور الداخلي، وإدراك الإنسان لذاته، ويعتمد بشكل رئيسي على طبيعة الحدث الذي يكون فيه الفرد وحالته النفسية؛ وهذا يعني أن الزمن يمر ببطء شديد، وتبدو الدقائق ساعات عندما يكون الحدث صعباً أو خطراً، والعكس صحيح إذا ما كان الحدث مريحاً سعيداً، وهو مقياس ذاتي فردي غير موضوعي.
5- الوقت الميتافيزيقي: وهو وقت الظواهر الميتافيزيقية أو عالم ما وراء الطبيعة، ولا نعلم عنه سوى ما ورد في الكتب السماوية عن يوم القيامة (الحساب) والخلـود، والأزل، والأبدية، وغيرها.
ثانياً- خصائص الوقت: (الملحم، 2017)
الوقت هو الشيء المشترك بين الجميع وهو للجميع، ولكن هناك اختلاف في كيفية استغلال الوقت من شخص لآخر، وأهم ما يميز الوقت أنه المقياس الذي يعتمد عليه في سرعة الإنجاز والمنافسة، وقد أصبحت جميع المجالات تعتمد على الوقت كمقياس لمدى استغلاله، فهو أداة للتقويم والرقابة؛ حيث أن كل عمل له فترة زمنية محددة وبداية ونهاية، وقد أجمع الباحثون على مجموعة من الخصائص للوقت يمكن إجمالها في الآتي:
1- أن الوقت سلعة حرة لا تباع ولا تشترى؛ لأنك تحصل على الكمية نفسها التي يحصل عليها الآخرون. إنه مورد محدد يملكه الجميع بالتساوي، فبالرغم من أن الناس لم يولدوا بقدرات أو فرص متساوية؛ إلا أنهم يملكون الساعات نفسها كل يوم، وأن جميع الناس متساوون من ناحية المدة الزمنية، سواء أكانوا من كبار الموظفين أو من صغارهم، من أغنياء المجتمع أو من فقرائهم.
2- أن الوقت يمضي بانتظام نحو الأمام دون أي تأخير أو تقديم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إيقافه أو تراكمه أو تبديله أو مضاعفته أو تصنيعه أو إحلاله؛ لذا فهو مورد نادر سريع الانقضاء، ومشكلته ليست في مقداره، ولكن في كيفية إدارته؛ فهل يستخدم بشكل جيد ومفيد في إنجاز الأعمال المطلوبة أم يهدر ويضيع في أمور قليلة الفائدة؟!
3- أن الوقت لا يمكن ادِّخاره، فليس لديك خيار إلا أن تنفقه؛ لذا فاستفد منه عند إنفاقه وحافظ على كل ثانية منه في أهدافك، فهو الرأسمال الحقيقي بين يديك، وإذا مضى لا يمكن إرجاعه.
4- إن عنصر الوقت يعتبر ضمن العناصر الإدارية للإنتاج (كالموارد المالية، والآلات والمعدات، والمواد الخام، والموارد البشرية)، إلا أنه يتميز عنهم بأنه العنصر الوحيد الموزع بعدالة بين البشر بخلاف العناصر الإنتاجية الأخرى؛ فعناصر الإنتاج متفاوتة زمانياً ومكانياً، من منطقة إلى أخرى ومن دولة إلى أخرى ومن عصر إلى آخر، إلا أن الوقت هو العنصر الأساسي في العمل الإداري؛ لأنه وعاء لكل عمل وكل إنتاج.


ثالثاً- أهمية الوقت: (المبارك والرشيدي، 2016)
أ- أهمية الوقت في النظريات والمدارس الإدارية:
1- الوقت في المدرسة العلمية: اهتمت نظرية الإدارة العلمية بقيادة فردريك تايلور بدراسة الحركة والزمن، ومع تقدم الحياة وتطورها زاد اهتمام الأفراد والمدارس الإدارية بالوقت، وقد تبلورت دراسة الوقت بأسلوب علمي في عهد المدرسة الكلاسيكية حيث قام تايلور – رائد مدرسة الإدارة العلمية – بإجراء تجاربه على الحركة والوقت، فقد لاحظ في إحدى الشركات الصناعية الأمريكية أن هناك ضياعاً كبيراً في الإنتاج نتيجة سوء استغلال الوقت. ما دعاه إلى دراسة الحركة والزمن التي تمثلت في تقسيم العمل إلى جزئيات بسيطة، حيث يتم تحديد حركتها الأساسية من مكان إلى آخر، والزمن الذي تستغرقه تلك الحركة، وذلك بهدف ربط الأجزاء بعضها ببعض بالطريقة الأسرع والأفضل، وفي أقل وقت ممكن. وقد أسهم تايلور إسهاماً كبيراً في زيادة فعالية إنجاز الأنشطة الإنتاجية بطريقة مثلى؛ وذلك من خلال إعادة توزيع مكونات العمل وإزالة أو تقليل الوقت الضائع، أو إعادة تصميم موقع العمل بطريقة مناسبة تضمن انسيابه بشكل سهل دون أي عوائق.
كما سعى هنري جانت إلى تحديد الأجر اليومي بشكل ثابت؛ فإذا استطاع العامل إنجاز العمل المحدد له في وقت أقل من الوقت المحدد؛ فإنه يستحق أجراً يعادل الوقت الذي اختصره. وقد استطاع جانت أن يضيف إلى أعمال تايلور صيغة خاصة للإسراع في إنجاز العمل واستمراريته، وعمل من أجل ذلك خرائط سماها خرائط جانت، وهي تساعد في وضع جداول زمنية للأعمال كأساس لأعمال التخطيط والتنفيذ والرقابة.
وتابع فرانك جلبرث وزوجته ليليان دارسة الحركة والزمن بشكل أكثر تفصيلاً، إلى أن توصلا إلى أداء العمل بأفضل الطرق في زمن قصير، وصولاً إلى الطريقة المثلى التي استطاعا من خلالها إدخال فن التخصصات في العمل وتطوير أدائه؛ فقد عَمِدا إلى وضع قواعد للعمل بأن قسَّماه على عدة أقسام، وكل قسم إلى خطوات، وحدَّدا لكل خطوة جزءاً من الوقت اللازم للأداء في القسم كله، وقد رتَّبا خرائط تخدم هذا الغرض، وأطلقا عليها مسمى "خرائط التدفق" المساعدة على دراسة أي عملية وتفصيلاتها، وكذلك دَرَسا إمكانية استئصال الحركات غير الضرورية لدى العمال في الشركات الأمريكية.
ويعتبر هارنجتون إيمرسون من العلماء الذي أدخلوا كثيراً من التحسينات على حركة الإدارة العلمية وطرقها وأساليبها، واهتم بشكل خاص بإدارة المنظمة، ونشر كتاباً بمسمى (مبادئ الكفاية)، حدد فيه كثيراً من المبادئ منها:
-      الـمُثُل أو الأهداف: وذلك بأن يكون لكل منظمة أهداف تسعى إلى تحقيقها في أسرع وقت ممكن.
-      حسن الإدراك: بمعنى أن تَعمد المنظمة إلى تقويم كل جديد من التجهيزات والقوى البشرية.
-      الإرسال: ويعني به إصلاح المنظمة وصيانتها وفق جداول زمنية محددة.
-      التنميط: وذلك بجعل نموذج مثالي لكل عمل إداري.
كما اهتم هنري فايول برفع مستوى الأداء للمنظمة بوجه شامل، فوضع القواعد والمبادئ الإدارية التي يجب أن تتماشى مع التنظيم المبني على أهداف المنظمة، وكذلك مع الإنتاج ذي الكفاءة العالية، بالتكلفة وبالوقت المتاح الأقل، وذلك كله يتطلب رصداً وتسجيلاً للإمكانات المتاحة، ووضعها في المكان المناسب في ظل إدارة ذات كفاءة، ما يؤدي إلى تقصير الوقت والسرعة في أداء العمل وتحقيق الأهداف بكفاءة عالية.
ومن الملاحظ أن محاولات تايلور وأتباعه لم تعبِّر عن المفهوم الحديث لإدارة الوقت، إذ كانت تلح على هدف رئيس يتعلق بزيادة الإنتاج ومن ثم مقدار الأرباح، من خلال الإلحاح على فاعلية الإدارة التنفيذية وبخاصة في النواحي الإنتاجية للعمل، وبذلك هدفت نظرية الإدارة العلمية – من خلال مفهوم إدارة الوقت – إلى زيادة قدرة المنظمات على التنفيذ والمتابعة؛ لئلا يهدر الوقت في أعمال ارتجالية لا ترتبط بحركات قياسية تم مسبقاً تحديد زمن كل حركة منها.
2- الوقت في المدرسة السلوكية: أعقبت حركة الإدارة العلمية في النظرية الكلاسيكية نظرية أطلق عليها نظرية العلاقات الإنسانية، وقد ألحَّت تلك النظرية على بناء المنظمة من الوجهة الاجتماعية والإنسانية؛ كعلاقات الأفراد ببعضهم، وعلاقاتهم برؤسائهم وغيرهم من داخل المنظمة أو خارجها، وقد أعطت الأولوية لجماعات العمل غير الرسمية، وشجعت على ظهورها، ورأت أن إشباع حاجات التنظيم غير الرسمي تؤدي تلقائياً إلى تحقيق أهداف التنظيم الرسمي، وأولت الرجل الاجتماعي اهتماماً كبيراً لا الرجل الاقتصادي - كما هو الحال في النظرية الكلاسيكية - وباختصار فقد ركزت النظرية الإنسانية على الدوافع الاجتماعية.
وقد بدا الاهتمام بالوقت في هذه النظرية من خلال ضرورة إعطاء العامل فترة للراحة وأخرى للعمل، مما ينعكس إيجاباً على معنوياته وبالتالي على إنتاجيته؛ فالإنسان – في رأي رواد هذه النظرية – ليس آلة يعمل على مدى أربع وعشرين ساعة، وإنما يحتاج إلى فترات راحة تقتطع من وقت العمل، بحيث يعود الإنسان العامل إلى أداء المهمات المطلوبة منه بكفاءة أعلى.
وقد قام الباحث إلتون مايو (رائد المدرسة الإنسانية) بتجاربه المسماة تجارب الهوثورن التي أجراها في مصانع ويسترن إليكتريك الأمريكية، وتوصل إلى أن ظاهرة تغيب العمال وعدم الانتظام في أوقات الدوام يقلل من الإنتاجية، وأكّد على أهمية الاعتناء بالعامل الإنساني، واختيار فترات الراحة التي تساعد حتماً على زيادة الإنتاجية؛ لأنها تعد منشطاً ومجدداً للحيوية من أجل استئناف العمل، لكن بشرط ألا تكون الأوقات المختارة طويلة وغير مناسبة؛ لأن هذه الأوقات الزمنية ستكون عبئاً على المنظمة وسبباً في تراجع الإنتاج.
3- الوقت في المدرسة الحديثة: ما لبث أن ظهرت النظريات الحديثة للتنظيم ومنها نظرية اتخاذ القرارات والنظرية البيولوجية، فأفادت من النظريات الإدارية السابقة وأضافت عليها وطورت من مفاهيمها، واحتل فيها الزمن والوقت مكاناً بارزاً.
وقد تضمنت هذه النظرية عدة نظريات في آن واحد، وهي نظرية اتخاذ القرارات، والنظرية الرياضية أو البيولوجية، وقد كتب كثير من الباحثين الإداريين في مفهوم هذه النظريات، أشهرهم برنارد الذي يعد مؤسس مدرسة النظام الاجتماعي، ناقش الجانب السلوكي في النظرية الحديثة، وعدَّ المنظمة نظاماً تعاونياً، وأن وظيفة المدير الرئيسة هي إيجاد جو التعاون الاجتماعي في سبيل تحقيق هدف معين. وكذلك أعطى أهمية كبيرة لتدريب القادة وإعدادهم إعداداً يرفع من مستواهم القيادي، وذلك في كتابه (التنظيم والإدارة) الذي نشره عام 1948م.
وكريس أرجيرس الذي انتقد في كتاباته النظرية الكلاسيكية، وقال: "إن ثمة تناقضاً أساسياً بين مقومات الشخصية الناضجة ومتطلبات ومبادئ التنظيم الكلاسيكي".
ورنسيس ليكرت كتب عن القيادة والعمل الجماعي، وقام في جامعة ميتشجن بتطوير أربعة أنظمة للإدارة أو القيادة تتراوح ما بين الأوتوقراطية الكاملة والديمقراطية الكاملة، ورأى أن اتخاذ القرارات لا يتم داخل المنظمة إلا بما توحيه الجماعة.
وهربرت سيمون كتب عن القرارات وتسلسلها وعن الهرم التنظيمي، ووجد أن بناءه يتم من القاعدة العريضة إلى رأس الهرم.
وقد استعانت نظرية اتخاذ القرارات بالوقت في حل مشكلات التخطيط والإنتاج، واعتمدت على الوقت اعتماداً كلياً؛ حيث إنها تعتمد على الأحداث الماضية، وتستشف الزمن المستقبلي من الماضي، وتستند إليه، وتراعي التوقيت المناسب في مراحل اتخاذ القرارات جميعها، سواء كانت هذه القرارات تخطيطية أم إنتاجية، وذلك من خلال تحديد الوقت المناسب لاتخاذ القرارات المناسبة للموقف.
كما اعتمدت النظرية البيولوجية على الوقت، فافترضت أن المنظمة تشبه الكائن الحي؛ بمعنى أنها تولد ثم تنمو ثم تتهاوى ثم تموت. ومجمل القول؛ إن المنظمة وحدة اجتماعية واقتصادية مرتبطة بعامل الوقت، من حيث التأثر بكل معطيات التطور التكنولوجي والمفاهيم الإدارية الحديثة التي تعتمد في تنفيذ خططها على الوقت، واتخاذ الأولويات منهجاً لتنفيذ تلك النظريات.
وهنا نجد أن المدارس الإدارية الحديثة، أبدت اهتماماً خاصاً بالوقت أيضاً؛ إذ أن مدرسة الأساليب الكمية مثلاً قد أفردت من بين موضوعاتها باباً خاصاً لإدارة الوقت، وهو ما يسمى بنظرية صفوف الانتظار، في حين اعتبرت مدرسة نظرية النظم الوقت كأحد متغيرات البيئة الخارجية لا تستطيع السيطرة عليها؛ لأنه متحرك ويسير إلى الأمام بشكل منتظم.
ومما ساعد على اختصار المسافات والأوقات تطور مجال التكنولوجيا والاتصالات، الذي جعل اهتمام المدرسة الحديثة وجهودها تنصب بالوقت وإدارته، وقد تم استخدام الكمبيوتر والاختراعات واستثمار قدرتها على تخزين المعلومات والمفاضلة بين بدائلها المحتملة.
ففي خضم التطور في مجال التكنولوجيا والمعلومات وازدياد التحديات التي تواجه مؤسسات الأعمال تزداد الحاجة إلى التركيز على مفهوم إدارة الوقت، وزيادة فاعلية استغلاله ورفع مستويات الأداء؛ لدفع عملية التنمية وتحقيق مستويات أفضل من الرفاه الاقتصادي والاجتماعي.
·       ومما سبق يظهر جلياً ارتباط النظريات الإدارية بالوقت واهتمامها به، وذلك في جميع مراحلها التطبيقية؛ حيث إن الإدارة ما هي إلا تحقيق هدف، وتحقيق الهدف يحتاج إلى وقت، فالتخطيط يحتاج إلى وقت وكذلك التنظيم والتوجيه والرقابة واتخاذ القرارات، وبذلك يكون الوقت أحد العناصر المهمة لارتباطه بكل عنصر من عناصر الإدارة؛ فكل عمل إداري يحتاج إلى وقت، وإلى أن يكون ذلك التوقيت مناسباً حتى يحقق الهدف المنشود منه، وبما أن وقت العمل محدود بساعات فإنه يتعين على المدير أن يعمل على استثماره بكفاءة وفعالية.

ب-  أهمية الوقت في الفكر الإسلامي : (مهداوي، 2015)
إن التراث الإسلامي زاخر بالعناية بالوقت، فقد حملت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة العديد من خصائص الوقت، والتأكيد على قيمته، وأهمية حياة الإنسان، وقد جاء في القرآن الكريم آيات تناولت الوقت وأبرزت أهميته في حياة البشر، ويتبين ذلك في معظم العبادات والشعائر الإسلامية المرتبطة بمواعيد زمنية ثابتة كالصلاة والحج والصيام، وأن أداءها وقبولها لا يتحقق إلا عن طريق الالتزام بأوقاتها ومواعيدها المحددة، يقول تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِندَ اللَّـهِ اثنا عَشَرَ شَهرًا في كِتابِ اللَّـهِ يَومَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ مِنها أَربَعَةٌ حُرُمٌ [التوبة: 36].
وقد بلغت أهمية الوقت إلى درجة أن الله جل جلاله أقسم به في أكثر من آية، يقول تعالى: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى [الضحى: 1-2]، فأقسم الله بالضحى وما جعل فيه من الضياء، كما أقسم الله عز وجل بالليل إذا غشي الخليقة بظلامه والنهار إذا ظهر نوره، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى [الليل: 1-2]، وأقسم جل جلاله بالزمن لعلو شرفه ومنزلته إذ قال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر: 1-2].
ومما يؤكد على أهمية الوقت في القرآن هو مجيئه بدلالات متعددة كالموعظة والقداسة والنعمة والتجربة وغيرها من الأفكار، وهي تشكل مفاهيم حركية للزمن، فالقرآن الكريم لم يتعامل مع الزمن من الناحية الحسابية فقط، بل جعله قيمة حركية تتفاعل مع الإنسان في حياته الشخصية والعامة، ومحفزة له ليتفاعل بدوره مع هذه القيمة بشكل دائم، كما أن في تعاقب الليل والنهار تحديد لحركة الزمن والحياة؛ لذا يجب على الإنسان العاقل أن يكون دقيقاً في التعامل مع وقته، إذ جرى تقسيم الوقت تبعاً للأعمال المطلوب أداءها؛ لأن الإنسان في سعيه لتلبية احتياجاته الحياتية وفي توجهه نحو أهدافه يجد في تعاقب الليل والنهار إيجابية؛ إذ أن الله عز وجل جعل الليل سكناً والنهار معاشا.
إن الوقت حسب المفهوم الإسلامي يستمد قيمته من الجهد المبذول، إذ قال تعالى: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ [الحج: 47]، فالإسلام يحث الإنسان على استثمار الوقت بحكمة؛ لتحقيق أكثر أهدافه، ولكي تكون له رصيداً يوم الحساب؛ إذ يقول تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا يَعمَلونَ [الأنعام: 132].
كما ورد في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة ما يوضح قيمة الوقت، وأهميته في حياة المسلم، ويتضح هذا في قول الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعِ خِصالٍ: عن عمرِه فيما أفناه، وعن مالِه من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن عِلمِه ماذا عمِل فيه" [صححه الألباني]، وفي هذا الحديث تأكيد وإشارة إلى الأسئلة التي ستوجه للإنسان يوم القيامة، ومنها ما يرتبط بالوقت (العمر).
ويلاحظ أن الرسالة الإسلامية تتناول قيمة الوقت من خلال جانبين، هما: (والي، 2011)
1- حساب الزمن: فقد وهبنا الله سبحانه عمرًا وجعل له خاتمة ونهاية، ولا ريب أن المؤمن الواعي يحس في أعماقه بأنه في سباق مع هذه النهاية، يحاول أن يسجل قبلها أكبر قدر من العمل النافع ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ  بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا [آل عمران: 30] فموقف الإنسان يوم الحساب مرتبط بالزمن، فهو يحب أن يقـرب الله منـه ما عمـل مـن خير، وأن يجعل بينه وبين السوء أمداً بعيداً.
2- أن الرسالة الإلهية تجعل من أعمال الخير التي طلبها الله من عبـاده - كالصـلاة والصدقة وغيرها- رصيداً مدخراً، ينفع صاحبه يوم الحساب، وهو يوم لا بيع فيه ولا خـلال، وإنمـا تـدور حركته على الجزاء المؤدى لكل من قدم عملاً صالحاً، أو اقترف عمـلاً سيئاً استوجـب غضب الله عليه.
مما سبق يتضح لنا قيمة الزمن في الإسلام، وأهمية الانتفاع بالوقت، وبهذا الحسـاب الدقيـق سـاد المسلمون الأوائل وشادوا، وأقاموا أحكام شريعتهم وأسسوا للدنيا حضارة شامخة دونها كل حضارة.
ومن هذا المنهج القرآني الكريم يمكـن أن نستخلص أهميـة الوقت للإنسان المسلم حيث ألقى عليه هذا المنهج مسؤولية استغلال الوقت الاستغـلال الأمثل الذي يحقق مرضاة الله جل جلاله وفائدة الإنسان، فالوقت عنصر هام يجـب أن يتنبه إلى الاستفادة منه سواء على مستوى الفرد أو علـى مستوى الجماعـة المسلمة.

رابعاً- أنواع الوقت:
·     يقسم الوقت من وجهة نظر الفكر الإداري وبشكل عام إلى أربعة أنواع رئيسية هي: (الجريسي، 2012)
1-    الوقت الإبداعي: يخصص هذا النوع من الوقت لعملية التفكير والتحليل والتخطيط والدراسة والبحث والاستقصاء والعمل على تحديد مضيعات الوقت ووضع الحلول لها، وتحديد الأولويات، وتنظيم العمل وتقييم مستوى الإنجاز، ومعالجة المشكلات الإدارية من كافة جوانبها بأسلوب علمي مع تقديم الحلول المنطقية وصولاً إلى نتائج القرارات التي ستصدر بفاعلية.
2-    الوقت التحضيري: هذا النوع من الوقت يمثل المرحلة التحضيرية أو فترة الاستعداد لتنفيذ المرحلة الأولى، ويتم فيه جمع المعلومات والحقائق وتجهيز المعدات قبل البدء بالعمل؛ حتى يتم تجنب هدر الأموال والتقليل من التكاليف تجنباً للخسارة الاقتصادية.
3-    الوقت الإنتاجي: هذا النوع من الوقت يمثل الفترة الزمنية التي تستغرق في تنفيذ العمل الذي تم التخطيط له في الوقت الإبداعي، والتحضير له في الوقت التحضيري. ولزيادة فاعلية استغلال الوقت يجب على الإداري أن يوازي ما بين الوقت المستغرق في الإنتاج والوقت الذي يقضي في التحضير والإبداع والتخطيط، ويقصد به أيضاً اتباع ما يعرف بالوقت المبرمج، والتعرف على جميع الأمور المتعلقة للحصول على الوقت المثالي في العمل.
4-     الوقت غير المباشر: هذا النوع من الوقت يخصص للقيام بالأعمال والنشاطات الفرعية غير المتخصصة، والتي لها تأثير واضح على العمليات الإنتاجية وعلى مستقبل المنظمة وعلى علاقتها مع الآخرين، كمسؤولية المنظمة الاجتماعية، وارتباط المسؤولين فيها بمؤسسات وهيئات عديدة في المجتمع، وحضور الإداري لندوات أو دعوات أو افتتاح لمؤسسات أخرى.

·       ويقسم البعض الوقت إلى نوعين، عما: (مهداوي، 2015)
النوع الأول: وقت يصعب تنظيمه وإدارته أو الاستفادة منه في غير ما خصص له، وهو الوقت الذي نقضيه في حاجاتنا الأساسية مثل: النوم والأكل والراحة والعلاقات الأسرية والاجتماعية المهمة، وهو على درجة من الأهمية لحفظ توازننا في الحياة.
النوع الثاني: وقت يمكن تنظيمه وإدارته، وهو الوقت الذي نخصصه للعمل ولحياتنا الخاصة، ويتكون هذا النوع بدوره من نوعين آخرين للوقت، وهما:
1- وقت الذروة: وهو الوقت الذي يكون فيه الفرد في كامل نشاطه وحضوره الذهني.
2- وقت الخمول: وهو الوقت الذي يكون فيه الفرد في أقل حالات التركيز والحضور الذهني.

·     أما تقسيم الوقت من وجهة النظر الإسلامية، فتتبلور حول كيفية تنظيم المسلم لوقته خلال اليوم من طلوع الفجر وحتى صلاة العشاء، وما يتعلق كل فترة من أعمال دينية واجتماعية ومعيشية؛ وجميعها تخضع لمعيار كسب الأجر والثواب ومراقبة الله.
فقد ربط الإسلام أداء الشعائر الدينية بأوقات منظمة ومحددة؛ تنظيماً لحياة الانسان المسلم، والتزاماً بالوقت واستثماراً له؛ فقال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا [النساء: 103]، وكذلك ارتبطت فرائض الصوم والزكاة والحج بمواقيت محددة كل عام، ويجب أن تؤدى في موعدها قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ  رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [الحج: 27].

المحور الثاني: إدارة الوقت:
أولاً- مفهوم إدارة الوقت: (الجريسي، 2012)
إن إدارة الوقت في حياة الفرد الشخصية وفي المؤسسات، تزداد أهميتها تبعاً للمراكز الإدارية، وهي تتدرج في ذلك بدءاً بالمديرين في الإدارة العليا، وصولاً إلى المشرفين في الإدارة التنفيذية؛ وفي مجال الإدارة يعد الوقت من أكثر المصطلحات صعوبة عند محاولة تحديده.
وعندما يكثر الحديث في الوقت الحاضر عن ندرة الموارد، فإنه ينبغي لنا أن نأخذ بعين الاعتبار مسألة الاقتصاد في المورد الأهم وهو وقت المديرين الأكفاء. يقول دراكر: " الوقت هو أهم الموارد، فإذا لم تتم إدارته فلن يتم إدارة أي شيء آخر"، فالإدارة الجيدة للوقت مفيدة من جهة التوفير في تكاليف المشروع، كما أنها مفيدة في حسن استخدام الموارد الأخرى للمؤسسة أيضاً، ولو أننا قمنا بتحليل عناصر الإنتاج (الموارد المالية، الآلات والمعدات، المواد الخام، الوقت، الموارد البشرية) للاحظنا أن عنصر الوقت هو العنصر الإنتاجي الوحيد الموزع بعدالة بين البشر، بخلاف العناصر الإنتاجية الأخرى، وهنا يأتي السؤال: كيف يمكن استثمار هذا العنصر بكفاءة وفعالية؟!
إن الموارد البشرية داخل المؤسسة هي المعنية بضرورة حسن استخدام هذه العناصر الإنتاجية المتاحة بالكفاءة والفعالية المطلوبتين؛ لذا فإن كفاءة أداء هذا العنصر يعكس بالنتيجة كفاءة الأداء التنظيمي للمؤسسة؛ فلكل مؤسسة أهداف محددة تسعى لتحقيقها من خلال تكريس استثمار جميع الموارد والإمكانات المتاحة لديها بما فيها الوقت.
وعلى الرغم من هذه الأهمية الكبرى للوقت، فإنه يعد من أكثر العناصر أو الموارد هدراً، ومن أقلها استثماراً، سواء من المؤسسات أو من الأفراد العاديين؛ ويعود ذلك لأسباب عديدة قد يكون من أهمها عدم الإدراك الكافي للتكلفة المباشرة المترتبة على سوء استثماره.
وثمة تعريفات متعددة لإدارة الوقت، إذ يعرفها هلمر بأنها " تحديد ووضع أولويات لأهدافنا، بحيث يمكننا تخصيص وقت أكبر للمهمات الأساسية، ووقت أقل للمهمات التافهة".
ويرى سهيل سلامة أن إدارة الوقت هي: " استثمار الوقت بشكل فعال لتحقيق الأهداف المحددة في الفترة الزمنية المعينة لذلك".
أما عبد العزيز ملائكة فقد حاول في تعريفه الجمع بين كلا المنظورين الإسلامي والإداري معاً؛ حيث عرَّف إدارة الوقت بقوله: "هي تخطيط استخدام الوقت وأسلوب استغلاله بفاعلية، لجعل حياتنا منتجة وذات منفعة أخروية ودنيوية لنا ولمن أمكن من حولنا، وبالذات من هم تحت رعايتنا".
فإدارة الوقت من خلال ما سبق هي الاستخدام الأفضل للوقت، وللإمكانات المتاحة، وذلك بطريقة تؤدي إلى تحقيق الأهداف. ولن يكون ذلك إلا من خلال الالتزام والتحليل والتخطيط والمتابعة؛ من أجل الاستفادة من الوقت بشكل أفضل في المستقبل.
ويمكن القول بأن مفهوم إدارة الوقت يعد من المفاهيم المتكاملة والشاملة لأي زمان أو مكان، وكذلك فإن إدارة الوقت لا تقتصر على إداري دون غيره، كما لا يقتصر تطبيقها على مكان دون آخر، أو على زمان دون غيره.
وقد ارتبط مفهوم الوقت بشكل كبير بالعمل الإداري من خلال وجود عملية مستمرة من التخطيط والتحليل والتقويم لجميع الأنشطة التي يقوم بها الإداري خلال ساعات عمله اليومي، وذلك بهدف تحقيق فعالية مرتفعة في استثمار الوقت المتاح للوصول إلى الأهداف المرجوة.

ثانياً- إدارة الوقت في الفكر الإداري: (سلامة، 1988)، (أبو شيخة، 1991)، (الصرن، 2000)
لقد ازداد الاهتمام بالوقت في الأعوام الأخيرة بزيادة عدد وحجم الأبحاث والدراسات حول كيفية استغلال هذا المورد المحدد والنادر، وهكذا برزت أهمية الوقت في أوائل القرن العشرين في نظريات الإدارة، فقد تبلورت دراسة الوقت بأسلوب علمي في عهد المدرسة الكلاسيكية، وذلك في أعقاب الثورة الصناعية والتطور التكنولوجي الذي أعقبها في نهاية القرن التاسع عشر حيث أظهرت أن الإدارة حركة وزمن أو عمل ووقت، فما من عمل إلا والوقت يرافقه، وما من حركة تؤدى إلا ضمن وقت محدد، فجاءت دراسة تايلور حول الوقت والحركة بعد أن أوضح بأن ضياعاً وهدراً كبيراً في الطاقات الإنتاجية قد نجم عن سوء استخدام الوقت، وأن ما كان ينتج بيوم واحد يمكن أن ينتج بساعة واحدة إذا ما أُخضعت الأنشطة للتحليل ووجهت نحو غرض محدد أو تصب في نهاية معلومة.
وتتمثل دراسة الحركة والزمن في تحليل أو تقسيم العمل إلى جزيئات بسيطة، بحيث يتم تحديد حركتها الأساسية والزمن الذي يستغرقه، ثم تحديد أفضل طريقة لأداء العمل بهدف زيادة الإنتاجية بأقل تكلفة وأقصر وقت ممكن.
وعليه فقد قام فردريك تايلور - الذي يعتبر رائد الحركة العلمية - بإجراء تجارب ركز فيها على دراسة الحركة والزمن، وذلك من خلال تطبيق المبادئ والقواعد التي تعتمد على تطوير علمي لكل عنصر من عناصر العمل بدلاً من الحدس والتخمين، والاختيار العلمي للعاملين وتدريبهم وتطويرهم، والتعاون بين الإدارة والعاملين لتنفيذ الأعمال وفقاً لمبادئ علمية تم تطويرها، إضافة إلى تقسيم العمل والمسؤولية بين الإدارة والعمال، وقد أدت تجارب تايلور ومن  تبعه من رواد المدرسة الكلاسيكية إلى تخفيض عدد العمال، وتخفيض التكاليف، وزيادة الإنتاجية ، وزيادة أجور العاملين، وتقليل ساعات العمل، وتحسين نوعية الإنتاج وسرعة الإنجاز وتحسين العلاقة بين العمال والإدارة.
وبالرغم من مساهمة تايلور الكبيرة فإنها لم تعبر عن المفهوم الحديث لإدارة الوقت، فقد كانت محاولات تايلور وأتباعه تركز على هدف رئيسي هو زيادة الإنتاج والأرباح من خلال زيادة فاعلية الإدارة التنفيذية، وخاصة في النواحي الإنتاجية للعمل حتى ظهرت المدارس الإدارية الأخرى، والتي أخذت سلبيات الإدارة العلمية، وحاولت التركيز على فعالية المنظمة بشكل عام.
وقد بدأ التركيز على موضوع إدارة الوقت بالمفهوم الشامل والمتعارف عليه حالياً في أواخر الخمسينات ومطلع الستينات من القرن العشرين، وقد كانت أول محاولة في هذا المجال للكاتب جيمس ماكي عام 1958م، حيث وضع كتابـــــه (إدارة الوقت).
وبدأت بعد ذلك تظهر الكثير من الأبحاث والكتب والمقالات والدراسات، حيث جاءت المدرسة السلوكية لتهتم بالإنسان وسلوكه ومشاعره وعلاقته بالآخرين أثناء وبعد العمل، وأثر سلوك العاملين وفترات الراحة في العمل، فجاءت تجارب العالم الاجتماعي إلتون مايو في مصانع هوثورن الصناعية، والتي بحث فيها من ضمن أبحاثه ظاهرة تغيب العمال عن العمل، وعلاقة ذلك بتصرفات الإداري معهم بعد التركيز على أثر العلاقات الاجتماعية بين العمال وعلى إنتاجيتهم وإعادة ترتيب ساعات العمل في الإنتاج، وعلى الرغم من اهتمام المدرسة السلوكية بالوقت من جوانب إنسانية واجتماعية إلا أن دراسة الوقت بأسلوب علمي يعود للمدرسة الكلاسيكية.
وبعد هذه الفترة الزمنية ازداد الاهتمام بالوقت وإدارته بشكل كبير، وظهرت الكثير من الأبحاث والدراسات والكتب بسبب التقدم التكنولوجي، والتطورات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وخاصة التطورات الهائلة في مجال الاتصالات والمواصلات وارتفاع مستوى المعيشة، وارتفاع معدلات الاستثمار في الشركات والمؤسسات، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وكلها أحدثت أثراً كبيراً في العمل، من حيث زيادة فاعلية الإداري في استغلال وقته أثناء العمل الرسمي، ورفع مستوى مهاراته وإمكاناته في تنظيم أعماله، بحيث يتم إنجازها بسرعة وبجهد أقل وبكفاءة عالية.
وقد تمت معظم هذه الدراسات في الدول المتقدمة، حيث قدم بيتر دركر كتابه (المدير الفعال) عام 1967م، والباحث ماكنزي في كتابــه (مصيدة الوقت) عام 1972م، ثم ظهرت النظريات المختلفة كنظرية اتخاذ القرارات، والتي استعانت بالزمن في حل مشكلات التخطيط والإنتاج، والنظرية البيولوجية والتي افترضت أن المنظمة كائن حي يولد ثم ينمو ثم يموت.

ثالثاً- إدارة الوقت في الفكر الإسلامي: (الأشوح، 2004)
يعتبر الوقت في الإطار الإسلامي من أعظم النعم التي أنعم الله جل جلاله بها على الإنسان، فهو عمر الحياة، وميدان وجود الإنسان، وما على الإنسان المسلم إلا أن يغتنم كل جزء منه ولو كان بسيطاً، فعن ابن عباس t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ : شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ" [صححه الألباني]. وهذه دعوة إلى الحرص الدائم على استغلال الوقت في كل مجال من مجالات الحياة.
وعن ابن عباس t قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "نِعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاسِ : الصِّحَّةُ والفراغُ" [صحيح].
وعن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنْ قامَتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكمْ فَسِيلةٌ ، فإنِ استطاعَ أنْ لا تقومَ حتى يَغرِسَها فلْيغرِسْهَا" [صححه الألباني].
ومما سبق يتضح تأكيد السنة النبوية الشريفـة علـى أهميـة أن يتنبه الإنسان علـى استغلال الوقـت في مراحل حياته المختلفة، بداية من الصغر وحتى يتقدم به السن، كما تتسع هذه الأهمية لتشمل أهمية استفادة الفرد ليس فقط من وقت العمل، بل أيضاً من وقت الفراغ بعد الانتهاء من العمل.
وفي التراث الفكري الإسلامي لوحظ عدم وجود دراسة موجهة بعينها للبحث في مجال الوقت، وإن تم التعرض إليه فيكون ذلك كنقطة تعرض ضمناً بين نقاط أو مجالات بحثية أخرى، ومع هذا فإن هناك بعض النقاط ذات التوجيهات الإرشادية المفيدة حول الوقت التي تمكننا من التقاطها من مجموعة الدراسات التي قام بها علماء مسلمون، وهي على النحو التالي:
1- الماوردي: تناول فكرة التقسيم الاقتصادي للوقت كأسلوب لتحسين كفاءة العمالة:
والمفكر هنا هو أبو الحسن الماوردي، الذي وُلد في البصرة في عام 974م، وعاش في أزهى عصور الثقافة الإسلامية في العصر العباسي الثاني، وكان من اهتماماته الفكرية كيفية تحسين الكفاءة الإنتاجية للعمالة وكيفية رفع أدائها. ولقد اعتبر التقسيم الاقتصادي الرشيد للوقت من أهم العوامل المساعدة على تحقيق الهدف المنشود. حيث يتضح من فكر الماوردي أنه يجب إعطاء العامل أوقاتاً للراحة أثناء ساعات العمل اليومية، وذلك بالإضافة إلى ضرورة منحه أوقات عطلة دورية.
ويرى الماوردي أن المسلم لا يجب أن يكون لديه وقت فراغ، بحيث يكون حراً تماماً في كيفية قضائه، حتى إن كان ذلك الوقت من أوقات الراحة والعطلة التي دعا بوجوب منحها للعامل. وبناءً عليه فلم يوصِ الماوردي بأن يستغل العامل أوقات العطلة والتوقف المسموح به عن العمل في اللهو أو في السكون التام (وهو ما يسمى بلغة العصر الاسترخاء)، إنما نصح الماوردي بأن يستغل العامل ذلك الوقت المقتطع من أوقات العمل في تثقيف نفسه وفي زيادة خبراته ومهاراته بتحصيل العمل، حيث إن ذلك يضمن له تطوير مداركه وخبراته باستمرار، وبالتالي فهو يقيه من شر الاستغناء عنه من قبل صاحب العمل طالما أن عطاءه سيكون مستمراً ومتجدداً، وفي ذلك يقول الماوردي نصاً: "فليس كل الوقت وقت اكتساب، فلابد للمكتسب من أوقات استراحة وأيام عطلة، ومن كانت عطلته في تحصيل العلم فقد نجا".
وهو هنا يرفض تخصيص كل وقت الإنسان في عملية التكسب فقط، ويؤكد ضرورة تخصيص جزء من الوقت لممارسة أنشطة أخرى مفيدة مثل تحصيل العلم.
2- ابن خلدون: عاش هذا العالم الموسوعي في شمال أفريقيا في القرن الرابع عشر الميلادي ،وتناول أفكار عديدة في مقدمته، ،من ضمنها ما يلي:
أ- خروج الأشياء من القوة إلى الفعل يتطلب وقتاً:
في حديثه عن الصناعة وتحليله وما يتعلق بها من جوانب وأبعاد أوضح الأهمية البالغة للعلم في تقدم الصناعة في أي مجتمع، وذكر أنه: "على قدر جودة التعليم ومَلَكَة المعلم يكون حذق المتعلم في الصناعة وحصول مَلَكَته، وأوضح أن تلك الصناعات منها البسيط (وهو ما يختص بالضروريات)، ومنها المركب (وهو ما يختص بالكماليات). ونتيجة لارتباط درجة تقدم الصناعة بالتعليم فإن الصناعات البسيطة المتعلقة بالضروريات يكون قدر التعليم المرتبط بها أو القائم عليها بسيطاً نسبياً، ويوضح ابن خلدون كيفية انتقال الزيادة التدريجية في العلم والمعرفة إلى الصناعات تدريجياً إلى الأكثر تركباً وتعقيداً وتقدماً، وأن ذلك لا يحدث إلا عبر فترات زمنية ممتدة حيث ينتهي الحال بعد حد زمني فاصل منها إلى انطلاق الصناعة نحو التقدم الراقي الشامل. وفي ذلك يقول ابن خلدون: "ولا يزال الفكر يخرج أصنافها ومركباتها من القوة إلى الفعل، بالاستنباط شيئاً فشيئاً على التدريج حتى تكمل، ولا يحصل ذلك دفعة وإنما يحصل في أزمان وأجيال؛ إذ إن خروج الأشياء من القوة إلى الفعل لا يكون دفعة، لا سيما في الأمور الصناعية، فلابد له إذن من زمان".
ب- مرحلة الفراغ هي آخر الأطوار الزمنية لاستبداد ذوي السلطان:
ومن ذلك المنظور المتميز نجد أن ابن خلدون يقرر أن كل دولة تنتقل عبر الزمن إلى أطوار مختلفة وحالات متجددة يتأثر بها أهلها أيضاً فتختلف أحوالهم وأخلاقهم تبعاً لذلك. وقد قسم أطوار الدولة إلى خمسة أطوار يرى أن الدولة غالباً ما تمر بها:
الطور الأول: طور الظفر والنصر والاستيلاء على الملك.
الطور الثاني: طور الاستبداد على القوم وانفراد أصحاب الحكم والنفوذ بالملك.
الطور الثالث: طور الفراغ والدعة لتحصيل ثمرات الملك مما تنزع طباع البشر إليه مثل الميل إلى تحصيل المال وتخليد الآثار والتوسع في الضرائب وتشييد المباني الحافلة والمصانع العظيمة والأمصار المتسعة والهياكل المرتفعة. ويتضح لنا أن المقصود من كلمة الفراغ التي اعتبرها ابن خلدون مؤشراً على الطور الثالث للدولة يختلف تماماً عما اعتدنا فهمه من ذات الكلمة في الأمور المعتادة لأن الفراغ هنا لا يعني التوقف عن العمل التكسبي والمعيشي والتحصيلي، بل يبدو أنه يقصد به التفرغ لتحصيل الأموال وسلب الممتلكات من الغير بدليل أن ابن خلدون ذكر في نهاية حديثه عن ذلك الطور بأنه: "آخر أطوار الاستبداد من أصحاب الدولة؛ لأنهم في هذه الأطوار كلها مستقلون بآرائهم، بانون لعزلهم، موضحون الطرق لمن بعدهم".
الطور الرابع: يحدث القنوع والمسالمة والاكتفاء بالاقتداء بمن سبقهم.
الطور الخامس والأخير: يحدث الإسراف والتبذير والتخريب لما تم التفرغ لجمعه وحصاده بشكل مكثف في الطور الثالث؛ مما يؤدي إلى نهاية الدولة وتدهور أحوال مواطنيها.
3- الراغب الأصفهاني: تناول فكرة أن الفراغ مِعْوَل هدم للكيان البشري الصحيح:
هذا العالم عاش في القرن الخامس الهجري بين أصفهان وبغداد، وكان من أئمة السنة، ومن أهم كتبه الذريعة والمفردات، وقد ورد ذكره للأثر السلبي لوقت الفراغ في معرض حديثه عن البطالة واستهجانه لها؛ لاعتبارها أمر متعارض مع الفطرة الإنسانية، وقد ربط ما بين حدوث البطالة وبين مفهوم الراغ الذي اعتبره "يبطل الهيئات الإنسانية".
كما حذر من تكاسل الإنسان وعزوفه عن العمل والنشاط؛ لأن في ذلك تعطيل لقدرات الأعضاء البشرية عن أداء وظائفها التي خلقها الله من أجلها، واعتبر أن العمل والنشاط فيهما تحريك طبيعي لتلك الأعضاء أما التكاسل والركن إلى الفراغ والراحة فإن ذلك من شأنه أن يقضي على كل ما يملك الإنسان ويتمتع به من قدرات وقوى مادية ومعنوية.
ولقد ذكر الراغب في ذم الفراغ واستهجان طلب الراحة والتحذير من ذلك مقولة مشهورة يمكن بحث أن تصبح قولاً مأثوراً سهل التداول بين ألسنة الحكماء؛ حيث كان مما قال في هذا الشأن: "وأن من تعود الكسل ومال إلى الراحة، فقد الراحة".
ومن الأقوال المأثورة عن أهمية الوقت من السلف الصالح، والتي يمكن أن تنطوي على إشارات وإرشادات فعالة حول الوقت قول أبي بكر الصديق: "إن لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل، ولله حق بالليل لا يقبله بالليل".
ويقول عمر بن الخطاب: "إني لأكره أن أجد أحدكم سبهللاً، لا في عمل الدنيا، ولا في عمل الآخرة".
ويقول الحسن البصري: "يابن آدم إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم، ذهب بعضك"، وقوله: "أدركت أقواماً كان أحدهم أشح على عمره منه على درهمه".
ويقول الوزير ابن هبيرة في بيت شعر تجلت فيها حكمته تجاه أهمية الوقت:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه * وأراه أسهل ما عليك يضيع



المحور الثالث- إدارة الوقت بين الفكر الإداري والفكر الإسلامي: (الأشوح، 2004)
من خلال ما تم عرضه في هذا البحث يمكن القول أن الوقت في الفكر الإداري والفكر الإسلامي من أهم العناصر التي يجب مراعتها على المستوى الفردي والاجتماعي والمؤسسي؛ لذا ينبغي العمل على استثماره وإدارته وتنظيمه والاستفادة منه بطريقة فعالة، وهذا ما يضمن تحقيق الأهداف سواء أكانت عامة أو خاصة.
ولا شك أن الوقت لا يمثل أساساً لحياة الإنسان فحسب، بل إنه يمثل روح العلم الشامل، وجوهر النظرية الإدارية والاقتصادية، وما يتشعب منهما من قوانين وفروض ومسلمات وسياسات وغيرها من أبعاد وجوانب ومكونات، وليس هناك ما يدعو للمبالغة باعتبار الوقت وكيفية تخصيصه وإدارته واستغلاله أحد المؤشرات الجوهرية التي تفصل ما بين مجموعة الدول المتقدمة (التي تحسن استغلاله)، وبين الدول المتخلفة (التي تجهل أهميته أساساً)، وكذلك فهو يفصل ما بين الفئات البشرية المادية (الذين يركزون استغلالهم للوقت على الأمور المادية والدنيوية فقط)، والفئات البشرية ذات الصلات الوثيقة بخالقهم جل جلاله (حيث يعتبرون وقت العبادات من أساسيات حياتهم).
وفي وقت الفراغ هناك تباين كبير في رأي الفكر الغربي الذي ينظر إليه على أنه وقت حر يمكن للإنسان أن يقضيه وفقاً لأهوائه ولرغباته الشخصية البحتة بشكل مطلق، بينما يعتبر ذلك الوقت في نظر الإسلام جزءاً لا يتجزأ من وقت الإنسان الإجمالي الذي سيحاسب على ما يفعله من خلاله.
إلا أنه يمكن أن نستنبط قاعدة مشتركة يقبلها كل من المنظورين، وهي أن الفرد حر في كيفية توزيع الوقت المتاح له (المتبقي بعد وقت إنجاز الضروريات) بين الأوجه المباحة فقط لاستثماره، لكنه ليس حراً في إهدار ذلك الوقت أو في تعدي الضوابط الشرعية والقوانين التشريعية، وكون وقت الفراغ هو جزء من الموارد النادرة ذات الأهمية البالغة في حياة كل فرد، وكل وقت لا يتم إدارته بشكل فعال وإيجابي يصبح وقتاً ضائعاً يحاسب عليه الإنسان. كما أن الاستغلال الإيجابي للوقت هو ذلك الذي يتم توزيعه وإدارته بكفاءة بين تقوية البدن والروح والعقل، وتحسين الحالة المعنوية، وتحقيق الأهداف بأقل جهد ووقت ممكنان.
ويمكن التخصيص الأمثل للوقت وفقاً للمنظور الإداري والمنظور الإسلامي من خلال الجمع بينهما؛ فقد لوحظ أن هناك مجموعات من الأعمال يمكن أن تتكافأ في أهميتها كفئة واحدة، بينما تختلف عن نظيرتها المتعلقة بمجموعات أخرى من النشاطات المعنية. ولدواعي الشمولية يمكن تصنيف الأعمال السائد قيام الإنسان بها كفئات مزدوجة الأوجه، وإدراج تلك الفئات وفقاً للأهمية النسبية لها بدءاً بالأهم الذي يجب تخصيص نسبة أكبر من وقت الإنسان له، فالأقل، فالأقل أهمية، وذلك كما يلي:
1- أداء الفروض التعبدية / العمل من أجل التكسب الضروري: وتعتبر من أولويات وقت الإنسان؛ فبدون تحقق الأوجه الأول يتعرض الإنسان للهلاك الأخروي، بينما يتعرض المقصر في إنجاز متطلبات الوجه الثاني لمخاطر الهلاك الدنيوي.
2- الطعام والشراب والنوم والحاجات الشخصية / رعاية أفراد الأسرة: وتعتبر ضرورة لا يمكن تجاهلها، ويمكن تخصيص وقت أساسي كافٍ وشبه ثابت لها جميعاً، مع ضرورة توزيع ذلك الوقت فيما بين تلك البنود المختلفة على أساس النسبة والتناسب، وفقاً للمتطلبات الزمنية المتباينة فيما بينها.
3- التواصل مع الغير / وأداء النوافل: وتعتبر من الأعمال الضرورية في حياة الإنسان، ولكنها أقل في درجة إلحاحها مقارنة بالمجموعتين المزدوجتين السابقتين، وفي الوقت نفسه فإن العنصرين المدرجين في الفئة الحالية لهما نفس الدرجة المتكافئة من الأهمية؛ فالتواصل مع الناس مثل صلة الرحم والسعي في مساعدة الناس وأداء أمورهم يساعد الإنسان في الحفاظ على توازنه الطبيعي في الحياة كإنسان اجتماعي بطبعه. أما أداء النوافل فهو ضروري لتدعيم الفروض؛ ولتعويض ما قد يحدث من نقص وقصور في أدائها كلها أو بعضها، كما أن ذلك يتيح للإنسان فرصة تحسين موقفه الأخروي.

4- ممارسات لتحسين القدرات / اللهو والترفيه الإيجابي: حيث يتمثل الشق الأول في كل ما يمكن أن يفعله الإنسان بشكل يساهم في ممارسة أنشطة رياضية مختلفة، أو ممارسة هوايات أخرى بنّاءة كالأعمال الفنية المفيدة والتعليم والثقافة والاطلاع ... أما الشق الثاني فيتكافأ مع الأول في الأهمية والتأثير، ولكن بشكل مختلف؛ حيث يقوم الإنسان هنا بممارسة سلوكيات ترفيهية مباحة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق